كتبت : آلاء البدرى
لم تعد تقاليع موضة وماكياج النساء، أكثر ما يلفت نظر العالم حاليًا، بَعد أن بدأت هذه التقاليع تتسلل ببُطء إلى عالم الرجال اليومى، بداية من الأزياء، مرورًا بالاكسسوارات ومستحضرات العناية بالجسم والبَشرة والشعر المستعار، ووصولًا للماكياج ومساحيق التجميل الملونة التى بدأت العديد من خطوط الإنتاج صُنعها خصيصًا للرجال.
العلامة التجارية Wahl أجرت مسحًا شمل العديد من الدول الكبرى، كشف أن واحدًا من بين كل 5 رجال يستخدمون الماكياج، فضلًا عن أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا هم الفئة العمرية الأكثر ميلًا لاستخدام أدوات التجميل، موضحة أن 39 % من رجال العالم يستخدمون الماكياج، الأمرُ الذى دفع أشهَر العلامات التجارية لمستحضرات التجميل للقفز فى الاتجاه المتزايد لماكياج الرجال الذى يُعَد جزءًا من صناعة العناية الشخصية وتُقدر استثماراته بنحو 57.7 مليار دولار (43.6 مليار جنيه استرلينى) منذ عام 2018م، ومن المتوقع أن تصل إلى 78.6 مليار دولار (59.5 مليار جنيه استرلينى) بحلول عام 2023 م.
علامات تجارية
الاهتمام الكبير من قِبَل الرجال بالماكياج، دفع عددًا من الشركات إلى إطلاق علامات جديدة خاصة بالرجل، مثل Boy de chanel و«توم فورد» التى تنتج سبع قطع أساسية تشكل المجموعة النهائية للرجال، منها البرايمر الذى يقوم بإعداد البَشرة لوضع الماكياج ويسمح لها بالاستمرار بشكل جذّاب لفترة أطول، وكريمات الـ BB وCC التى تختلف عن تلك التى تستخدمها النساء من حيث فاعلية تغطية بقع الوجه وخطوط تقدُّم العمر، بالإضافة إلى أنها مصممة خصيصًا لتتلاءم مع طبيعة بشرة الرجال ذات المسام الواسعة وشعر الوجه الكثيف والجلد السميك، وجل الشفايف ذات اللون الوردى والدموى الطبيعى، وجل الحواجب ثلاثى الأبعاد الذى يعطى الحاجبيْن شكلًا أكثر امتلاءً، وخافى العيوب الذى يُستخدم لعدة مناطق مختلفة كهالات العين وآثار حَب الشباب والندوب أو العلامات غير المرغوب فيها.
عاصمة ماكياج الرجال
يُعتبر الكوريون الجنوبيون أكثر الذكور فى العالم إنفاقًا على العناية بالبشرة؛ حيث نمَت سوق منتجات العناية بالرجال بنسبة 44 ٪ بين عامَى 2011 و2017م؛ حيث تشير التقارير إلى أن كوريا الجنوبية أصبحت عاصمة ماكياج الرجال فى العالم وفقًا لبحث عالمى من Euromonitor International، أنفق الرجال الكوريون 495.4 مليون دولار على الماكياج العام الماضى، ما يشكل ما يقرب من 21 % من المبيعات فى جميع أنحاء العالم، وتقدر أكبر شركة مستحضرات تجميل فى كوريا الجنوبية Amorepacific مبيعات مستحضرات التجميل للرجال فى البلاد بأكثر من 885 مليون دولار هذا العام.
ويخضع نحو ثلاثة أرباع الرجال الكوريين الجنوبيين لعلاجات التجميل أو العناية من علاجات الشعر فى الصالونات إلى علاجات الوجه فى المنزل مرّة واحدة على الأقل فى الأسبوع، وفقًا لمسح آخر أجرته GlobalData، وجد أن 58 ٪ ممن وُلدوا بَعد عام 2000م يُدللون أنفسهم بعلاجات تجميل طويلة أو العناية الشخصية مرّة واحدة على الأقل فى الأسبوع مقارنة بـ 34 ٪ من الرجال الكوريين الجنوبيين الآخرين بشكل عام، و96 % منهم يضعون ماكياجًا رجاليّا بدرجات متفاوتة.
لم يقف الأمرُ عند هذا الحد، بل طالت تقاليع ماكياج الرجال جنودَ الجيش الكورى وانتشر بشكل كبير حتى صار بعض المُجندين يقومون بعمل فيديوهات عن أشهَر أنواع الماكياج والعناية بالبَشرة والظهور بالزّىّ العسكرى.
تجارب رجالية
يبدو أن الرجال البريطانيين أكثر انفتاحًا على التجارب التجميلية، فبحسب استطلاع للرأى حول الماكياج نُشر على موقع YouGov يضع واحدٌ من كل عشرين رجلًا بريطانيّا الماكياج، وفى الولايات المتحدة الأمريكية وباعتبارها واحدة من أكثر الدول تقدمًا فى العالم، أبدى الرجال إعجابًا سريعًا بمنتجات الماكياج الرجالية بمجرد توافرها بسهولة، وتعد ديفيريو واحدة من أولى متاجر الملابس الرجالية العصرية على الإنترنت التى أطلقت ماكياج الرجال فى الولايات المتحدة مع أفضل العلامات التجارية لمستحضرات التجميل، مثل MMUK ManوContext مع شركات مستحضرات التجميل العالمية، مثل Cover Girl وMaybelline التى تروّج للرجال كسُفراء لعلامتهم التجارية، وأصبح ماكياج الرجال شائعًا بشكل خاص فى الولايات المتحدة الامريكية؛ خاصة بين جيل الألفية الأمريكى والجيل Z.
السوق الآسيوية
عندما يتعلق الأمرُ بسوق خبراء الجَمال فى آسيا، فإن الرجال الصينيين خلف الكوريين مباشرة؛ حيث إن اتجاه الرجال الكوريين بوضع ماكياج الرجال ينتشر فــى ســوق مستـحضرات التجـميل الصينـية، لـــــذلـك تجــــــد أن WANG YUEPENG وSONG YEWEN وهما من مدونى الفيديو المخصصين للجَمال فى مجتمع التجميل الآسيوى، قد حققا نجاحًا كبيرًا فى ماكياج الرجال مع ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعى.
وفى أمريكا الجنوبية، من المدهش أن تجد البرازيل رُغم سُمعتها الكبيرة فى الجراحات التجميلية، ليست رائدة فى مجال الماكياج الرجالى، وأن الرجال الكولومبيين هم الأكثر استخدامًا لماكياج الرجال وبشكل أكثر تحديدًا يستمتعون بالحصول على مانيكير للرجال فى أى مناسبة وفقًا لنتائج الاستطلاع الذى نشرته BBC NEWS فإن أكثر من 27 ٪ من الذكور الكولومبيين يضعون طلاء الأظافر بانتظام.
سفراء ماكياج الذكور
وروّج عددٌ من النجوم الكبار لفكرة استخدام الرجال لمستحضرات التجميل الملونة ومن بينهم نجم الكرة الإنجليزى ديفيد بيكهام صاحب 43 عامًا الذى ظهر على غلاف مجلة الموضة Love وهو يضع ماكياجًا كاملًا للوجه من تصميم Kim Jones فى أول إصدار للصور المتحركة للمجلة؛ حيث ارتدى بذلته البيضاء وغطى جفونه بظلال عيون خضراء زمردية وأظهر الوشم الذى يحمل توقيعه على رقبته مصبوغًا بنفس الظل الأخضر.
عودة للوراء
رُغْمَ أن ماكياج الرجال اتجاهٌ حديث عن روح العصر؛ فإنه ليس بشىء جديد، فمنذ آلاف السنين التى تعود لأكثر من 4 آلاف سنة قبل الميلاد حتى القرن الثامن عشر استخدم الرجال الماكياج بشكل تقليدى بطرُق لا تُعَد ولا تُحصَى، فبالعودة إلى مصر القديمة كان الملوك والفراعنة يقومون بتغميق عيونهم بالكحل لدرء الأرواح الشريرة واستخدم الفراعنة الصبغة السوداء لإنشاء تصميمات مبتكرة لرسم عين القطة وظلال الجفون الخضراء.
لم يكن الغرض من ذلك عند الفراعنة الظهور بمَظهر أكثر جاذبية، لكن كان يُعتَقد أن ظلال العيون الخضراء تستحضر روح الإلهين حورس ورع، وبالتالى درء الأمراض الضارة، كما كان وضع الكحل يُعَبّر عن ثروة ومكانة واضعه، وهى ممارسة وصلت فى النهاية لقبائل الأمريكيين الأصليين الذين استخدموا طلاء الجسم للتحضير النفسى للحرب.
وعند الرومان كان الرجال يستخدمون صبغة حمراء على خدودهم ويفتحون بَشرتهم بالمساحيق ويرسمون أظافرهم باستخدام إكسير مكون من دهن الخنزير والدم، كما قام الرجال الرومان بطلاء رءوسهم لتمويه البقع الصلعاء وفراغات الشعر، وشاع فى فرنسا استخدام مستحضرات التجميل بين رجال البلاط الملكى، وشارك الملك لويس السادس عشر فى الإسراف فى مستحضرات التجميل ومنتجات الشعر حتى أصيب بالصلع وهو فى سن 23، وأجبر بَعد ذلك الأرستقراطية فى فرنسا على استخدام الشعر المستعار والكعب العالى وأغطية الفراء.
وكان من الشائع بالنسبة للإنجليز أن يلبسوا الوجوه البودرة وكذلك الخدود والشفاه الممزقة وغيره، واستمر الأمرُ غير منتقد حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما اعتبرت الملكة فيكتوريا الأولى ملكة بريطانيا العظمى أن مستحضرات التجميل للرجال مبتذلة وغير لائقة، وهى وجهة نظر أيّدتها كنيسة إنجلترا، وخلال العصر الفيكتورى اعتبر التاج والكنيسة ماكياج الرجال رجسًا مما أوجد روابط قوية وواسعة النطاق بين الماكياج والأنوثة دامت لعصور، واقتصر الماكياج للرجال على ممثلى هوليوود والفنانين وعازفى موسيقى الروك أند رول مثل ستيفن تايلر وديفيد بوى.
وفى عام 2017م عاد ماكياج الرجال ليغزو العالم ولكن بشكل مختلف ولأغراض تجميلية، وسمحت وسائل التواصل الاجتماعى لمعلمى التجميل الذكور بمشاركة تعبيراتهم الفنية على نطاق واسع، ما ساعد على تحطيم الصور النمطية للرجال التى تعود لقرون، وأخذت شركات التجميل الكبرى مثل Covergirl وMaybelline إشعارًا آخر وأعلنت عن الوجوه الذكور الأولى لعلاماتها التجارية.