انتقادات لدول أوروبية لحظرها مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين
تواجه دول أوروبية كثيرة اتهامات بقمع الحريات وحق التجمع منذ بداية الحرب بين إسرائيل و«حماس» قبل أسبوعين، خاصة ألمانيا وفرنسا اللتين منعتا المظاهرات المؤيدة لفلسطين بشكل كامل. ولم تصرح ألمانيا إلا بمظاهرتين صامتتين، وفرنسا بمظاهرة واحدة منذ ذلك الحين.
وبررت ألمانيا وفرنسا ودول أخرى مثل النمسا وهنغاريا وسويسرا، منع المظاهرات بسبب المخاوف على الأمن الوطني وظهور شعارات معادية للسامية. وهددت برلين وباريس بترحيل من يرفع شعارات مؤيدة لـ«حماس» المصنَّفة إرهابية من قِبل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
وفي حين سمحت لندن بالتجمعات، فقد حذّرت هي كذلك من إظهار شعارات مؤيدة لـ«حماس» خلال المظاهرات. وحتى أن وزيرة الداخلية سويلا برايفمان «شجّعت» الشرطة على حظر رفع العَلم الفلسطيني، رغم أن ذلك لا يتماشى مع القانون، ومنع ترديد بعض الهتافات التي قالت: إنها يمكن ترجمتها على أنها لا تعترف بحق وجود إسرائيل.
وقال محمد موسى، من منظمة «كايج» في لندن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: إن «ترديد أو رفع شعارات مؤيدة لـ(حماس) هو جريمة يعاقب عليها القانون البريطاني؛ كون المنظمة مصنّفة إرهابية». لكنه أضاف، أن المخاوف الآن من أن «يتم تجريم حمل العَلم الفلسطيني تحت الذريعة نفسها، أو ذريعة مكافحة معاداة السامية والإرهاب».
وانتقد السلطات الواسعة التي منحتها الحكومة البريطانية في العامين الماضيين للشرطة، والضغوط السياسية التي تمارسها الحكومة على الشرطة. وتحدث عن «صراع» حالياً بين الشرطة والحكومة حول التعامل مع المظاهرات، ومحاولات الحكومة لتسييسها وإظهار المتظاهرين على أنهم «يشكّلون تهديداً للأمن العام».
وفي ألمانيا، منعت الشرطة رفع العَلم الفلسطيني وحظرت ارتداء الكوفية في المدارس؛ ما زاد من المخاوف بأن الحظر على التجمعات يذهب بعيداً وينتهك الحريات الشخصية. وحظرت الحكومة جمعية فلسطينية تدعى «صامدون» تروّج لإطلاق الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل. وبررت الحظر بعد أيام قليلة على عملية حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، بسبب نشر الجمعية فيديو على صفحتها على «إنستغرام» يظهر توزيع حلوى في حي «زونن أليه»، المعروف بـ«شارع العرب» في برلين؛ ما عدّته الحكومة تمجيداً للعنف والإرهاب.
وبقيت تلك الصور التي خرجت من مناطق «العرب» في برلين، متداولة في الإعلام الألماني لأيام تلت، وكانت سبباً رئيسياً استندت إليه الحكومة لمنع المظاهرات، وذلك على الرغم من تقدم مجموعات يهودية مؤيدة للسلام وأخرى ألمانيا تدعو إلى وقف الحرب على غزة، للحصول على ترخيص للتظاهر، رفضتها الشرطة كذلك.
وتسبب منع المظاهرات المؤيدة لفلسطين في برلين في الأيام التي تلت عملية «حماس»، بخروج العشرات من أصول عربية إلى الشارع رغم الحظر، خاصة في منطقة نويكلن في برلين التي تضم عدداً كبيراً من الفلسطينيين. وفرّقت الشرطة المتجمعين عنوة على مدى أيام؛ ما تسبب بإصابة عشرات رجال الشرطة واعتقال قرابة 200 شخص.
وشوهدت عناصر من الشرطة يمزّقون وينتزعون ملصقات مكتوبة بالعربية وعليها عَلم فلسطين في «شارع العرب». كما انتشرت فيديوهات تظهر عناصر الشرطة ينزعون العَلم الفلسطيني عنوة من متظاهرين. وانتقل التوتر إلى مدارس برلين التي حظرت بدورها لبس الكوفية الفلسطينية. واستندت الشرطة منذ ذلك الحين إلى هذه الأعمال سبباً لحظر كل التجمعات المؤيدة لفلسطين والداعية لإنهاء العملية العسكرية في غزة.
وتسبب حظر المظاهرات في ألمانيا في جدل حتى بين المنظمات الإنسانية التي رأى بعضها بأن الحظر التام مبرر بسبب تاريخ ألمانيا مع النازية، في حين حذّرت أخرى من أن ذلك يتعارض مع حق التجمع والحريات العامة. وقال المعهد الألماني لحقوق الإنسان الذي يتخذ من برلين مقراً له، في رد مكتوب لـ«الشرق الأوسط»: إن «تمجيد جرائم (حماس) علناً يشكل جريمة في ألمانيا، وقد يهدد السلم العام، وإن التوقعات المبررة بأن هذا الأمر قد يحصل في مظاهرات كهذه، يمكن أن تبرر التقييد على التجمعات». وهذا التبرير تحديداً هو ما استندت إليه السلطات الألمانية لحظر التجمعات المؤيدة لفلسطين.
لكن منظمة «هيومن رايتس ووتش» انتقدت المنع التام للمظاهرات في الدول الأوروبية. وقال بنجامين وورد، المسؤول عن أوروبا وآسيا الوسطى، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحظر التام» الذي فرضته بعض السلطات في أوروبا على التجمعات المؤيدة لفلسطين لا يتماشى مع «أسس الديمقراطية للمجتمعات».
وأضاف أن «من واجب السلطات أن تواجه جرائم معاداة السامية والكراهية، وفي بعض الأحيان هذا يمكن أن يبرر تحديد تجمعات بعينها، ولكن هذا الواجب لا ينبغي أن يستخدم لحظر التجمعات». ودعا وورد السلطات في أوروبا إلى «التمييز بين الشعارات الفلسطينية وتلك التي ترتبط بمنظمات معينة». وأضاف أن «تجريم ومنع الشعارات الفلسطينية هو رد غير متناسب، وتدخل غير مبرر في حرية التعبير».
ورأى فولفغانغ بوتنر، من المنظمة نفسها في مكتب برلين، أن السلطات الألمانية «تتمتع بواجب خاص لحماية الجالية اليهودية» بسبب تاريخ ألمانيا معها، لكنه أضاف بأن هذا الواجب «يمتد أيضاً لحماية المجتمعات المسلمة وغيرها في ألمانيا». وأشار إلى أن السلطات الألمانية انتهكت هذه الحقوق في الماضي، مشيراً إلى مظاهرات النكبة العام الماضي التي حظرتها الحكومة ووافقت محكمة في ألمانيا على الحظر بعد اعتراض المنظمين.
وقالت «هيومن رايتس ووتش» آنذاك: إن حظر التجمع لا يمكن تبريره ويعدّ «بمثابة عقاب جماعي للذين يريدون التظاهر بشكل سلمي». وانتقدت المنظمة تلكؤ ألمانيا من جهة أخرى لانتقاد إسرائيل وانتهاك حقوق الإنسان التي ترتكبها بحق الفلسطينيين.
وانتقدت مجموعة من المثقفين اليهود في ألمانيا قرار الحكومة حظر التجمعات المؤيدة لفلسطين، ووقّع قرابة 100 شخصية منهم على بيان رأوا فيه بأن الحظر «يقمع حق التعبير السلمي والمشروع للانتقاد السياسي الذي قد يطال إسرائيل، وقد واجهت السلطات محاولات كسر الحظر بقوة واعتقالات غير متوازية وغير مبررة». ورفض المثقفون ما سموه «العنف العنصري للشرطة»، معبّرين عن تضامنهم «الكامل مع العرب والمسلمين» في ألمانيا.