مقال
د/ محمد العدوى
العيد القومي لمحافظة الدقهلية يوافق يوم 8 فبراير وهو ذكرى معركة المنصورة عندما قرر ملك فرنسا القديس لويس التاسع القيام بالحملة الصليبية السابعة حيث نزلت جيوشه في الأراضي المصرية واستولت على دمياط وبدلا من الاتجاه غربا للاستيلاء على الاسكندرية كما كان مخططا زحفت جيوشهم باتجاه مدينة المنصورة للاستيلاء عليها لأنها العقبة الكبيرة في طريقهم إلى القاهرة وقد أخفت شجر الدر خبر وفاة السلطان الصالح نجم الدين أيوب وأرسلت في طلب تورانشاه من الشام على عجل ..
وعندما اقتربت جيوش الفرنجة من أسوار المنصورة تعرضت لقصف شديد بقذائف النفط الملتهب فتحرق آلاتهم وجنودهم وقد وصفها الفارس المؤرخ جوانفيل كما يلي : ” كانت النار الإغريقية تتطاير بحجم كبير كأنها برميل عصير الحصرم وكان لها ذنب بطول الرمح الطويل ويسمع لها هزيم كهزيم الصاعقة أو التنين الطائر ويصدر عنها ضوء ينير المعسكر في الليل وكأنه في النهار .. إن أوصالي كانت ترتجف في كل مرة يلقي فيها المصريون بقذائفهم هذه وإن الصليبيين كانوا لدى وصول كل قذيفة يجثون على ركبهم بينما يرفع الملك لويس يديه إلى السماء ويهتف باكيا : أيها السيد الإله احفظ لي عشيرتي ” ويقول المؤرخ الفرنسي سيديو في كتابه تاريخ العرب العام إن هذه النار الإغريقية كانت مخلوطة بكميات من ملح البارود ..
وأثناء الحصار قام المصريون بتوسيع البحر الصغير الذي يفصل المنصورة عن جيوش الفرنجة مما اضطر لويس إلى عبور مخاضة عند قرية سلمون حيث اندفعت مقدمة جيشه إلى داخل المنصورة بقيادة شقيقه الكونت دارتوا واصطدمت بالمماليك في شوارع وطرقات البلدة حيث تلقفوهم بالمتاريس بينما الأهالي يقذفونهم بالحجارة من فوق الأسطح فكان نصيبهم الموت المحقق ثم خرج المماليك لقتال لويس التاسع فأفشلوا عبوره للنهر ، وعندما وصل تورانشاه أمر بنقل قسم من الأسطول المصري إلى بحر المحلة ليكون خلف معسكر الأعداء ونقلت السفن مفككة من سمنود على ظهور الإبل وأعيد تركيبها في فرع دمياط وشحنت بالأسلحة والمقاتلين من المتطوعين مما أسفر عن تدمير الأسطول الصليبي تماما ..
أصبح الجيش الصليبي على البر محاصرا حيث انقطعت الإمدادات وقل الزاد ولم يعد أمامه إلا الانسحاب باتجاه دمياط ومن ورائه الجيش الإسلامي يهاجمهم بالرماح والسهام وعندما وصلت مقدمة الفرنجة إلى فارسكور كانت مؤخرته لا تزال في شرمشاح حيث كان الملك لويس يعاني من المرض الشديد فلجأ إلى أحد الأكواخ في قرية منية أبي عبدالله بينما تورانشاه يهاجمهم بكل قوته ويلحق بهم الهزيمة الساحقة ووقع لويس التاسع في الأسر حيث نقل إلى المنصورة في دار قاضي الإنشاء فخر الدين إبراهيم بن لقمان وفي حراسة الطواشي صبيح المعظمي وظل هناك حتى الجلاء التام عن البلاد.