الإمام الأكبر الإنسان.. وعالمية الحضارة الإسلامية!!
مقال
د. باسم عادل
طبيب وأديب ومفكر مصري وعضو باتحاد كتاب مصر والكتاب العرب
كان الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور / أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف يتهيأ لأخذ مقعده على متن طائرة مصر للطيران بين القاهرة والأقصر ، ومعروف أنه سماحته مقيما في قرية القرنة بالبر الغربي بمحافظة الأقصر ، ويتردد في إجازات قصيرة على منزله في الأقصر ، وكانت الإجراءات أن يتخذ الإمام مكانه على مقعده أولا ، لكن الإمام الأكبر تنبه إلى وجود مجموعة من السائحين الأمريكيين تعطل قليلا دخولهم إلى مقاعدهم بسبب الإجراءات الأمنية والبروتوكولية ، وتوقف سماحته وأصر على عدم أخذ مكانه قبل دخول السائحين للطائرة وجلوسهم على مقاعدهم باعتبارهم ضيوف مصر ، والأجدر هو قيامه بالترحيب بهم ، ووقف فضيلته مرحبا بهم بعد أن تنبهوا لوجود شخصية هامة على الطائرة من وفد مرافقيه ، وبسبب الإجراءات التقليدية مع الشخصيات الهامة ، فرحبوا بالإمام و أصروا على التصوير معه ، وهالهم تواضعه الشديد وإنسانيته العالية وموقفه الحضاري.
وهذا ليس ببعيد عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، فهو عالم جليل، وهو جهبذ من جهابذة الفلسفة والعقيدة الإسلامية، وفي هذا الفرع من العلوم الإسلامية يتوقف العالم على دراسة الأديان والحضارات و المقارنة بين المدارس الفلسفية المختلفة والفلسفة الإسلامية، وبخلاف ذلك فالإمام الأكبر يجيد الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، وله المئات من الأبحاث العلمية والمؤلفات المعتبرة، وهو من عاش فترة في حياته في فرنسا أثناء دراسته للدكتوراه في العقيدة والفلسفة الإسلامية.
ومواقف الإمام الأكبر يشهد عليها القاصي والداني، بل يشهد عليها العالم كله بشأن جهوده في نشر الحضارة الإسلامية الصحيحة والفكر الإسلامي المستنير، والعمل من أجل الإنسانية والتقارب بين الأديان، وتعميق الحوار بين الشرق والغرب لإزالة آثار ما هو معروف بصراع الحضارات وإختلافها، وطبيعي أن يجسد الإمام الأكبر السلوك الحضاري والإسلامي الصحيح مع الإنسان في كل مكان بغض النظر عن عقيدته أو لونه وجنسه ونوعه، وطبيعي أن يقدم المثل والقدوة في التعامل مع الآخر.
ومواقف الإمام الأكبر في الحوار مع الآخر تاريخية وموثقة، فهو من أقال رئيس جامعة الأزهر في عام 2017 بسبب وصفه “إسلام بحيرى” بالمرتد خلال لقاء تليفزيوني شارك فيه، حيث أوضح الأزهر أن وصف “بحيرى” بالمرتد رد غير صحيح، ويخالف منهج الأزهر الشريف، الذى يقضى بأنه لا يُخرج المرء من الإسلام إلا من جحد صحيح الإسلام، واضطر رئيس الجامعة وقتها إلى الاعتذار ذاكرا أنه لا يخرج المرء من الإسلام إلا إذا جحد ما أدخله فيه وأن الحكم على الأشخاص وعلى أفعالهم وأقوالهم وسلوكهم هو اختصاص القضاء وليس العلماء.
وفي فبراير عام 2016، أعاد الإمام الأكبر العلاقات بشكل رسمي بين الأزهر الشريف والفاتيكان ، وشهدت العاصمة الإيطالية روما لقاء القمة بين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين، والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، وذلك لبحث جهود نشر السلام والتعايش المشترك، وتواصلت اللقاءات التاريخية والزيارة بين الطرفين في العاصمة الإيطالية روما وفي العاصمة الإماراتية أبو ظبي والقاهرة، إلى جانب الفاتيكان ، وكان من ثمار ذلك إطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية، والتي رسخت لنقاط التلاقي بين الأديان السماوية وفي مقدمتها المسيحية والإسلام، والتي أتبعها إطلاق مجموعة من الرسائل المشتركة التي تبرأ الأديان من اتهامها بالإرهاب والتطرف.
ومن أبرز جهود فضيلة الإمام الأكبر سعيه إلى تطوير مناهج الأزهر الشريف بما يُناسِب روح العصر، ويجمع بين أصالة النص، ومعاصرة تطبيقه في واقع الناس، من خلال إنشاء «اللجنة العليا لإصلاح التعليم»، و«لجنة إعداد وتطوير المناهج»، وهي لجنة تضم علماء مُتخصِّصين، وخبراء تربويين، واستعاد فضيلته دور «هيئة كبار العلماء» الرائد في تجديد الخطاب الديني، والحفاظ على الثوابت الإسلامية في كثير من القضايا المُجتمعية والثقافية، من خلال أبحاث ومُؤلفات ومُلتقيات فكرية شبابية ، كما أنشئ في عهده «مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية» لتأصيل مستجدات الواقع المعاصر، وتجديد الرؤية الشرعية للعديد من القضايا الفقهية المستحدثة، إلى جانب تطوير برامج «الرّواق الأزهري» في الجامع الأزهر وفروعه في محافظات الجمهورية؛ ليؤدي دوره التعليمي والدعوي للمصريين والأجانب من الناطقين بالإنجليزية، والفرنسية، والألمانية؛ وفق منهج الأزهر الوسطي والمُستنير.
وقام الإمام الأكبر بتأسيس «بيت العائلة المصري» من أجل الحفاظ على وحدة النسيج الوطني لأبناء مصر؛ مسلمين ومسيحيين، والتأكيد على القيم العليا والقواسم الإنسانية المشتركة بين الأديان والثقافات والحضارات ، إلى جانب تعزيز دور «لجنة المصالحات بالأزهر الشريف» المنوط بها إصلاح ذات البين بين المواطنين، وإعلاء المصلحة العليا للوطن، وحفظ الأرواح والأعراض والممتلكات، ونبذ العصبية القبلية المتوارثة، من خلال التنسيق مع الجهات المعنية في الدَّولة المصرية ، ثم لا ننسى دور الإمام الأكبر التاريخي في مجال مناصرة حقوق المرأة وتمكينها وإصلاح الصورة المغلوطة عن دور المرأة في الإسلام .
إنه حقا.. إمام الإنسانية، وخير سفير أمام الحضارات الأخرى.