رئيس إتحاد المصريين فى أروبا يكتب عن طبيب مصرى تظاهر المصريون من أجله فى لندن
بسم الله الرحمن الرحيم
حكايتي مع ترابيزة الطعام
بقلم د.عصام عبد الصمد
ذهبت بالأمس لزيارته في منزله الصيفي في مقاطعه أوكسفورد ، وحتي اكون منصف المكان ليس منزل ، ولكن قصر منيف يقع علي عشرات الافدنة ، اشتراه صديقي منذ فتره من رجل بريطاني مهم جدأ ، المكان به بحيرة كبيرة مليئة بالأسماك ، وحمام سباحة مغطي وآخر مكشوف ، وملعبين للتنس واحد مغطي والثاني مكشوف ، ودور كامل للجيم ، وترابيزة بلياردو ، وترابيزة بنج بونج ، وعدد كبير من غرف النوم ودورات مياه والعديد من الحمامات ، واربع مطابخ ، وأربع حجرات للطعام ، وخمس حجرات استقبال ، ومكتبه كامله ، ولأن صديقي يحب اقتناء اللوحات والتماثيل لذا يوجد عدد كبير منهم لكبار الرسامين والنحاتين العالميين .
استقبلني كالعادة بالسلام والتحية والهتاف والعناق والبوس اثنين من على اليمين واثنين او ثلاثة { أنا غير متذكر العدد } على اليسار ، كما قام بالسلام على زوجتي جويس ، والاعتذار عن عدم وجود زوجته وأولاده الموجودين خارج بريطانيا لقضاء أجازة نهاية الأسبوع .
جلسنا في ركن من اركان الحديقة نتكلم ونتناقش ونضحك وعندما حان وقت الغداء انتقلنا إلى احدي غرف الطعام الصغيره التي بها ١٢ كرسي فقط ، وطبعا رفضت رفضًا باتا شنيعًا وأصريت على أن أجلس على الترابيزة الكبيرة أم ٢٦ كرسي ، ولكن صديقي كالعاده رفض رفضًا باتا شنيعًا ، أنا أصر على الجلوس على الترابيزة الكبيرة أم ٢٦ كرسي وهو يصر علي اهانتي امام زوجتي جويس بقوله هذه الترابيزه لايجلس عليها الا الناس المهمين فقط ، وانت لست واحد منهم { الله يسامحك يا صديقي } .
صديقي هذا هو رائد من رواد علاج العقم في أوروبا، وأشهرهم على الإطلاق ، طبيب مصري تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة عام ١٩٧٦ حضر إلى لندن وحصل على درجة عضوية الكلية الملكية البريطانية في أمراض النساء والتوليد (MRCOG) عام ١٩٨٥ ثم حصل على درجة الزمالة (FRCOG) من نفس الكلية ويعمل أستاذ أمراض نساء وتوليد ورئيس وصاحب أكبر وأشهر مركز للعقم في المملكة المتحدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً حسب تقارير هيئة التلقيح والإخصاب الملكية البريطانية ، والتي تنشر كل النتائج في كتاب تصدره سنوياً وبه كل المعلومات عن مراكز الإخصاب في بريطانيا ، وهذا الكتاب يوزع مجاناً لكل من يريد الحصول عليه من مرضى وأطباء وباحثين في مجال الإخصاب .
تعرفت عليه عام ١٩٩٣ ومنذ هذا التاريخ أصبحنا صديقين، ومنذ إنشاء المركز وأنا أعمل به رئيساً لقسم التخدير حتى الآن بجانب أعبائي الأخرى .
كنا في الماضى نتحدث سوياً عن أطفال الأنابيب ، الآن نتحدث عن الأطفال التفصيل ، كنا نتحدث عن تجميد الجنين وتجميد الحيوان المنوى ، الآن نتحدث عن تجميد البويضة غير الملقحة ، كنا نتحدث عن علم الأجنة ، الآن نتحدث عن علم الاستنساخ ، كنا نتحدث عن معرفة جنس الجنين ، الآن نتحدث عن معرفة أمراض الجنين ، كنا نتحدث عن أبحاث الأمراض الوراثية للجنين ، الآن نتحدث عن أبحاث الخلية الجزعية ( الخلية الأم ) ، وبذكائه وجلده واجتهاده ساهم في إدخال العديد من التقنيات الجديدة في علم الإخصاب ، وقد غطت كل وسائل الإعلام المحلية والعالمية إنجازاته على مدى السنوات الطويلة الماضية ماعدا مصر ، صديقى هذا رجل خجول ، قليل الكلام ، ومع أنه خفيف الظل جداً ، إلا أنه يحاول إخفاء خفة دمه طوال الوقت .
منذ أن تصادقنا، ونحن نجلس سوياً في أمسيات جميلة ، نضحك على أي شيء ، وعلى كل شيء ، وعندما لا نجد شيئاً نضحك عليه نضحك على أنفسنا ، وفى إحدى الأمسيات طلبت من صديقى أن يحضر للعشاء في منزلى حيث مجموعة من الأصدقاء وكان بينهم المرحومة سعاد حسنى ، وبعد العشاء بدأت السهرة بعرض مسرحية من فصل واحد من تأليف وتمثيل وإخراج، سعاد وأنا ، وكانت المسرحية تحكى عن ( أطفال البراميل ونظرية الاستوساخ ) ، وطبعاً كنت أنا وسعاد نقصد ( أطفال الأنابيب ونظرية الاستنساخ ) ، وكان الهدف من المسرحية هو جرجرة رجل صديقى الطبيب ، والذى يبدوا دائما هادى الطباع عندما يجلس مع جمع من الناس ، كانت مسرحية كوميدية جعلت الجميع يضحك حتى نهاية السهرة .
بعد هذه السهرة بفترة، تعرض صديقى الطبيب لحملة تشهير قاسية في برنامج بانوراما الشهير الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بالتواطؤ مع هيئة الإخصاب الملكية البريطانية، وقد انتقد البرنامج الطبيب المصرى في نقطتين وهما ؛ { استعمال أدوية غير متداولة في مراكز العقم الأخرى والتباطؤ في إرسال الأوراق المطلوبة منه } ، ولكن السبب الحقيقى كان غيرة بعض أطباء العقم الكبار من الطبيب المصرى ، لأن المركز الذي يملكه هو رقم واحد ويسجل أعلى نسب نجاح على مستوى بريطانيا بأكملها وعلى مدار السنوات الماضية حتى يومنا هذا .
وأنا اتذكر ان مجلس ادارة اتحاد المصريين في أوروبا اجتمع ثلاث مرات في خلال أسبوع واحد لاتخاذ اللازم من قرارات ضد الأطراف التي تسعى للإساءة إلى سمعة الطبيب المصرى ، وقام الاتحاد في ذلك الوقت بالاتصال بالخارجية المصرية عن طريق السفير المصرى آنذاك جهاد ماضى والقنصل العام السفير محمود أبو دنيا ، كما قدم الاتحاد عريضة اتهام للمحكمة الجنائية ببروكسل ضد كل من هيئة الإذاعة البريطانية وهيئة الإخصاب البريطانية بالإخلال بآداب المهنة بغرض التشهير وزعزعة ثقة المرضى بطبيب رفيع المستوى ، كما أرسل الاتحاد شكوى لنقابة الأطباء البريطانية ضد بعض الأطباء الذين شككوا في طبيب مثلهم في وسائل الإعلام بدون إذن من النقابة وبدون اي مبررات ، كما أصدر الاتحاد بيان استنكار لما جاء في البرنامج ، وبعدها أقام الطبيب المصرى دعوى قضائية ضد هيئة الإذاعة البريطانية وهيئة الإخصاب البريطانية وحكمت المحكمة لصالح الطبيب المصرى وحصل على كل حقوقه الأدبية والمادية منهما ، وراح ضحية هذا الموضوع مسؤولون كبار في كلا الهيئتين ، ولكن قبل جلسة النطق بالحكم حدث شيء غير عادى لم يحدث من قبل مع أي طبيب في بريطانيا ففي ظاهرة لم يسبق لها مثيل قام عشرات من مرضى صديقي الطبيب المصرى مع أطفالهم الصغار بتنظيم مظاهرة تأييد له أمام المركز الطبي الخاص به ، يرفعون الأعلام والبالونات في الشارع في شتاء لندن القارص تعاطفاً معه ضد حملة التشهير التي تعرض لها ظلماً ، ومن بين هؤلاء المتظاهرين وجدت سيدة بريطانية تقف مع زوجها تحمل طفلها الصغير البالغ من العمر حوالى ستة أو سبعة أشهر معلقا على صدره لافتة عليها بعض الكلمات، وبدون أن أشعر أخذت السيدة وطفلها داخل المبنى خوفاً على طفلها من برد لندن ، وقلت لها ؛ يكفى وجود زوجها في الخارج مع المتظاهرين أما هي فيجب أن تنتظر هي وصغيرها داخل المبنى وأرسلت لها كوبا من القهوة وأخذت منها صغيرها ودخلت به غرفة صديقى الطبيب المصرى وطلبت منه قراءه المكتوب على اللافتة المعلقة على صدر الطفل الصغير والمكتوب عليها باللغة الإنجليزية بالطبع ( يا دكتور محمد الطرانيسى ، أرجوك لا تحزن ، انتظر قليلاً حتى أكبر وسآخذ لك حقك منهم ) نظرت إلى محمد الطرانيسى فوجدت عينيه مملوءة بالدموع ، ونظر إلى محمد فوجد عينيى كذلك ، وبدون أن أتفوه بكلمة أخذت الصغير إلى أمه وفتحت باب المركز وركبت سيارتى ورحلت .
تحياتي واحترامي
د. عصام عبد الصمد
أستاذ التخدير والرعاية المركزة وعلاج الآلام بلندن
رئيس اتحاد المصريين في اوروبا