تداعيات الرسوم الجمركية الجديدة على العلاقات الأمريكية الصينية
بخطٍ تصعيدي لا يشبه سوى صوت الطبول في ساحة مواجهة عتيقة، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عبر منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»، قرارًا يفتح فصلًا جديدًا في الحرب التجارية مع بكين، وهو رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على الصين إلى 125%، مستثنيًا إيّاها من المهلة العالمية البالغة 90 يومًا لتطبيق المعدلات الجديدة، لتبقى وحدها في مرمى النيران.
منذ بداياته في البيت الأبيض، تعامل ترامب مع الصين كخصم استراتيجي أكثر منه شريكًا تجاريًا، مُتهمًا إياها بخداع الأسواق العالمية، وإغراق الاقتصاد الأمريكي بواردات رخيصة، وسرقة الملكية الفكرية ـــ لكن دونالد ترامب هذه المرة لم يكتفِ باتهامات، بل أطلق موجة ثالثة من الرسوم الجمركية الأمريكية خلال أسبوع واحد، في خطوة وصفها مراقبون بأنها “غير مسبوقة في وتيرتها وحِدّتها”، ما ينذر بأن العودة إلى طاولة الحوار لن تكون سهلة أو سريعة، وفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.
وزارة البترول: لن ندرس تعديل أسعار الوقود مُجددا إلا بعد 6 أشهر
المفارقة أن هذا التصعيد يأتي في وقتٍ تتشابك فيه الاقتصادات العالمية أكثر من أي وقت آخر، مما يعني أن ارتداد هذا القرار لن يقتصر على بكين وواشنطن فحسب.. بل سيطال أسواق أوروبا، وآسيا، وشبكات التوريد العابرة للقارات، فالرسوم الجمركية الأمريكية اليوم لم تعد مجرد أداة اقتصادية، بل أصبحت تعبيرًا عن تحول جوهري في طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ـــ علاقة تتأرجح بين الاعتماد المتبادل، والتنافس الصريح على من يضع قواعد النظام العالمي الجديد…
وبينما كانت تلمّح الصين إلى احتمال الرد برسوم انتقامية كما فعلت سابقًا، يخشى المستثمرون من دخول مرحلة “نزاع بلا سقف”، قد تفضي إلى إعادة رسم خريطة التجارة العالمية بـ«القوة.. لا بالتفاوض».
وفي هذا المشهد المضطرب، لا تبدو الرسوم الجمركية الأمريكية مجرد ضرائب مُؤقتة، بل إعلانًا عن نوايا سياسية أبعد بكثير من الاقتصاد ـــ نوايا قد تعيد تشكيل تحالفات، وتفكك شراكات، وتدفع العالم نحو واقع جديد، تتصدره «لُغة المصالح الصلبة لا التفاهمات الناعمة».
إن التراجع عن الحرب التجارية ليس مجرد قرار اقتصادي، بل تحدٍ نفسي وسياسي لزعيمين يتمتعان بقدر هائل من «الثقة المطلقة»، ففي خضم أسبوع حافل بالتصعيد، حاولت كل من واشنطن وبكين أن تُظهر تفوقها في ساحة المواجهة التجارية، وكأنها معركة لإثبات الهيمنة لا مجرد خلاف جمركي.
الصين، من جهتها لم تتراجع، بل أكدت عبر وزارة التجارة رفضها لما وصفته بـ«التنمر الأمريكي»، في حين بثّت وسائل إعلامها الرسمية رسائل واضحة بأن البلاد مُستعدة للصمود، حتى لو كلفها ذلك تباطؤًا في النمو الاقتصادي في عام يشهد أصلاً أوضاعًا اقتصادية غير مستقرة.
قدّمت ميلاني هارت، المديرة العليا لمركز الصين العالمي في المجلس الأطلسي، تشبيهًا لافتًا خلال مؤتمر صحفي عُقد قبل إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تعليق العقوبات، فقالت: «الصين بنت لنفسها مخبأ لهذه اللحظة.. هم الآن بداخله، ولو كنت مكان الرئيس الصيني، شي جين بينج، لشعرت براحة أكبر من ترامب».
كما سلّطت هارت، الضوء على جهود بكين لتقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية، وتعزيز الابتكار المحلي كخط دفاع استراتيجي ضد الضغط الأمريكي.
ورغم كل أدوات النفوذ التي يملكها ترامب، إلا أن وضعه السياسي أكثر هشاشة مقارنة بنظيره الصيني، فالزعيم الأمريكي يواجه ضغوطًا مُتصاعدة من الأسواق وناخبيه، بخلاف شي، الذي بات يتمتع بمكانة سلطوية تُقارن بعصر الرئيس الصيني الأسبق، ماو تسي تونج.
بحسب ويندي كاتلر، نائبة رئيس معهد سياسات جمعية آسيا، فإن الصين تمتلك قدرة أكبر على تحمل التكاليف الاقتصادية نظرًا لطبيعتها السلطوية، في حين يُتوقّع أن تبدأ أصوات الأمريكيين في التذمر سريعًا، خاصةُ مع ارتفاع الأسعار في المتاجر الكبرى وتأثر القدرة الشرائية للمستهلكين.
وهنا يُطرح سؤال جوهري:
«هل تنتظر واشنطن وبكين حتى يبلغ الألم الاقتصادي ذروته، أم أن إحداهما ستسعى أولًا إلى طاولة المفاوضات؟».
«التصعيد المتبادل.. رسائل جمركية بلغة النار»
الرسوم الجمركية الأمريكية التي طالت الصين بنسبة 125% ستؤثر بشكل خاص على بكين نظرًا لتدفق صادراتها الضخم نحو السوق الأمريكية، لكن الارتداد لن يكون أحادي الاتجاه… حيث ردّت الصين سابقًا برسوم بلغت 84%، ومن المُرجح أن ترد مجددًا على هذا التصعيد.
فيما أكد كاتلر، أن كلا البلدين قد وصلا إلى مرحلة “الإنهاك الجمركي”، إذ باتت الرسوم مرتفعة جدًا لدرجة أن التجارة بين البلدين ستتقلص إلى أدنى مستوياتها إن لم تتوقف تمامًا،، وتوقعت أن تلجأ الصين لأسلحة بديلة، مثل معاقبة الشركات الأمريكية الكبرى العاملة في السوق الصينية.
ضمن تداعيات هذه التصعيدات، يتلقى القطاع الزراعي الأمريكي ضربة قاسية، فالمزارعون الذين يشكّلون قاعدة ناخبة مهمة لـ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يعتمدون بشكل كبير على التجارة مع الصين، التي كانت في 2023 أكبر سوق لصادراتهم الزراعية، خاصة لفول الصويا.
وفي السياق، أعرب كالب راجلاند، رئيس جمعية فول الصويا الأمريكية، عن المخاوف صراحةً في حديثه لصحيفة «هووسير أج توداي» قائلا إن «الوضع الزراعي هش، وتقييد الصادرات في وقتٍ نعاني فيه أصلاً من تراجع اقتصادي زراعي… أمر مرعب للغاية بالنسبة لنا».
وليست هذه المرة الأولى التي يعاني فيها المزارعون، فخلال ولاية ترامب الأولى، أدت الحرب التجارية مع الصين إلى خسارة تفوق 27 مليار دولار من صادرات المنتجات الزراعية في عامي 2018 و2019، الأمر الذي دفع إدارته آنذاك لإطلاق خطة إنقاذ بقيمة 28 مليار دولار.
واليوم، لم تستبعد، وزيرة الزراعة الأمريكية، بروك رولينز، تكرار تلك التجربة، قائلة إن إدارة ترامب تدرس إمكانية تقديم مساعدات جديدة للمزارعين، لكنها حذّرت من الغموض قائلة:
«نحن في مرحلة من عدم اليقين… نأمل ألا نضطر لذلك، وأن تؤدي إعادة تنظيم الاقتصاد إلى ازدهار غير مسبوق، وخاصة للمزارعين ومربي الماشية».
لكن حتى وإن قررت إدارة ترامب تقديم دعم طارئ جديد لـ المزارعين الأمريكيين، فإن الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي قد يصعب معالجتها بسهولة، فقد خسر المزارعون الأمريكيون، حصة سوقية كبيرة في مبيعات فول الصويا لصالح البرازيل بعد الحرب التجارية الأولى، ومع استمرار التوتر، قد تُغلق الأبواب أمامهم في السوق الصيني، مع توجه المشترين إلى بدائل أكثر استقرارًا.
وزارة البترول: لن ندرس تعديل أسعار الوقود مُجددا إلا بعد 6 أشهر
صدام اقتصادي «لا مفر منه»
يرى جوش ليبسكي، مدير مركز الاقتصاد الجغرافي في المجلس الأطلسي، أن الجمود المستمر من الطرفين (الولايات المتحدة والصين) سيقود حتمًا إلى “ألم اقتصادي حقيقي” سواء في الأسواق المالية أو في واقع الحياة الاقتصادية اليومية، ولن يبدأ أي طرف بتقديم تنازلات قبل أن يشعر بالألم بشكلٍ واضح.
ووفقًا له، فإن المؤشرات الحاسمة في الولايات المتحدة ستكون ما إذا بدأ سوق العمل بالتدهور أو إذا بدأت البلاد بالانزلاق نحو ركود اقتصادي، ويضيف: “إذا جاءت مؤشرات الاقتصاد الحقيقي بعد الانتخابات أسوأ من التوقعات، فقد تكون تلك هي اللحظة التي تُغيّر كل الحسابات”.
ترامب يُلوّح بإمكانية التوصل لاتفاق مع شي
ورغم التصعيد، لا يزال ترامب يلوّح بإمكانية التوصل إلى اتفاق، ففي مؤتمر صحفي عُقد الأربعاء الماضي، أعرب عن استعداده للتفاوض، لكنه حمّل بكين المسؤولية قائلًا:
«الصين تريد صفقة.. لكنهم لا يعرفون كيف يُبرمونها.. أعرف شي جيدًا، وسيتوصلون إلى حل، هناك صفقة ستُبرم في النهاية».
كما أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب أنه لا يمانع لقاء الرئيس الصيني، مشيرًا إلى أن شي “يعرف تمامًا ما يجب فعله”، ومتوقعًا اتصالًا مرتقبًا قد يُعيد إطلاق عجلة المفاوضات.
مفاوضات تحفظ ماء الوجه
لكن العقبة الرئيسية، كما ترى ويندي كاتلر، تكمن في غياب قنوات التواصل الفعالة، فقد واجه الصينيون صعوبة في إيجاد من يمكن التحدث إليه داخل إدارة ترامب، وتؤكد كاتلر أن وجود قناة خلفية دبلوماسية سيسمح للطرفين بالجلوس على طاولة التفاوض دون إحراج، وبشكل متزامن.
«شروط جديدة.. وصفقة أكبر»
من جانبه، يرى مارك وو، مدير مركز فيربانك بجامعة هارفارد والمستشار السابق للممثل التجاري الأمريكي، أن الصين بحاجة لتقديم حزمة تفاوضية كبيرة لإقناع إدارة ترامب بالعودة للمحادثات الجادة، على غرار فرض ترامب الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة.
ففي الاتفاق السابق، المعروف بـ «اتفاق المرحلة الأولى» والذي أُبرم في ختام حرب ترامب التجارية الأولى عام 2020، وعدت بكين بشراء سلع وخدمات أمريكية بقيمة 200 مليار دولار خلال عامين، لكنها لم تنفذ تلك الالتزامات بالكامل، مما يجعل فريق ترامب أكثر حذرًا هذه المرة.
ترامب يضع شروطه.. «بصيغة آمرة»
وعندما سُئل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب عمّا يريد من الصين تحديدًا، كانت إجابته صارمة ومباشرة: «أنا من سيخبر الصين بما أريد، وليس أنتم».
ورغم صلابة المواقف، إلا أن المراقبين يرون أن نهاية الحرب التجارية قادمة، ولكن ليس دون جولات إضافية من التصعيد… فكما يقول جاك تشانج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كانساس:«المأساة أن اقتصادَي البلدين قويان بما يكفي لتحمّل حرب استنزاف طويلة».
وختم كلامه: «نعم، حروب الاستنزاف تنتهي في نهاية المطاف، لكن بُطرق غير مُتوقعة، ومهما كانت النهاية، فالواضح أن الولايات المتحدة والصين ستخرجان من هذه المعركة بأثمان باهظة.. وخسائر على المدى الطويل».
تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال سفارات وجاليات ، وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم سياحة وآثار ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .