تصعيد حكومي في مصر ضد القطاع الخاص لرفع أجور العمال
وزارة العمل تقول إنها لن تسمح باستثناءات في تطبيق الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص.
القاهرة – رفعت الحكومة المصرية تحذيراتها لأصحاب شركات ومصانع ومؤسسات خاصة، وألزمتهم بتطبيق الحد الأدنى للأجور ابتداء من مارس الجاري، قبل أن تقوم أجهزة الدولة بإجراءات مشددة لضبط ملف الأجور في الكيانات الخاصة، وهي لهجة حادة تستهدف توفير مظلة حماية اجتماعية للموظفين وأسرهم.
وأعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن قرار زيادة الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص جاء بناء على تكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي لتحسين مستوى معيشة المواطنين بشكل عام، مراعاة للتغيرات الاقتصادية وتأثيرها على سوق العمل، والقطاع الخاص ملزم بتطبيق الزيادات الأخيرة وهناك متابعة دقيقة للتنفيذ.
التعليم العالي تعلن الكليات الجديدة بجامعة دمنهور الأهلية.. وبدء الدراسة اعتبارا من العام الجديد
وقالت وزارة العمل إنها لن تسمح باستثناءات في تطبيق الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص، وستكون هناك لجان رقابية للمتابعة والمراجعة والتأكد من التزام أصحاب الأعمال بقرارات المجلس القومي للأجور، وهي نبرة تحمل تهديدات حكومية غير مباشرة للقطاع الخاص للاهتمام بملف الأجور وأن الزيادة يجب أن تطبق فورا.
وزاد الحد الأدنى لأجر العاملين بالقطاع الخاص ليصل إلى سبعة آلاف جنيه شهريا (نحو 140 دولارا) والتطبيق من مارس الجاري، مع رفع الحد الأدنى لقيمة العلاوة الدورية للعاملين بالقطاع الخاص إلى 250 جنيها شهريا (نحو 5 دولارات)، ولأول مرة يقرر مجلس الأجور وضع حد أدنى للأجر للعمل المؤقت، بحيث لا يقل الأجر عن نصف دولار في الساعة.
وترى دوائر سياسية أن التصعيد الحكومي الأخير ضد القطاع الخاص رسالة ضرورية بأن الدولة بحاجة إلى المستثمرين، لكنها لن تقبل بـ”ليّ ذراعها” والتمرد على قراراتها الخاصة بتحسين الأوضاع المعيشية، لأن ذلك يهدد الأمن المجتمعي وما يترتب عليه من منغصات أمنية وسياسية الدولة في غنى عنها.
يمثل العاملون في القطاع الخاص قوة اجتماعية لا يستهان بها عند الحكومة، إذ يصل عددهم إلى 25 مليون فرد مقابل 5 ملايين فقط في القطاع الحكومي، ما يثير مخاوف دوائر صناعة القرار من ترك هذه الفئات تعاني من ظروف معيشية صعبة دون أن تتدخل الحكومة بحسم ضد مستثمرين اعتادوا التمرد على قرارات زيادة الأجور.
وتبرر الحكومة لهجتها التصعيدية بأن الملايين من الموظفين وأسرهم قد لا يشعرون بإيجابية أي قرار يستهدف تحسين ظروفهم بمظلة حماية اجتماعية، وفي النهاية سيوجه اللوم والغضب إلى مؤسسات الدولة، وقد يُفهم تمرد بعض مؤسسات القطاع الخاص على أنه يحمل رسالة سياسية سلبية بأن المستثمرين أقوى من الحكومة.
وتؤكد كثرة التصريحات من جانب مسؤولين حكوميين حول عدم وجود استثناءات في التطبيق، أن مساعي زيادة المرتبات في القطاع الخاص تلقى معارضة واسعة من بعض القطاعات التي تشتكي من عدم قدرتها على تحمل تكلفة رفع الأجور، والحكومة لم تكن تضغط في الماضي للتنفيذ وكانت تقدم استثناءات لظروف اقتصادية.
وقررت الحكومة إلغاء الإعفاءات لأيّ قطاع خاص من تطبيق زيادات الأجور، وعلى الجميع الامتثال للحد الأدنى الجديد للرواتب بعد إلغاء الاستثناءات القديمة، لكن ما يدعم جرأة الحكومة في هذا التوجه أن الرئيس السيسي يؤيد التشدد مع المستثمرين الذين يحاولون استغلال الأزمة الاقتصادية لتحقيق مكاسب على حساب صورة الدولة.
وينظر الملايين من العمال في القطاع الخاص إلى السيسي باعتباره الرئيس الوحيد الذي وضع حدا أدنى لأجورهم، حيث أُقرت لأول مرة في العام المالي 2021 – 2022، المساواة بين العاملين في القطاعين العام والخاص، ومع الوقت بدأت قطاعات خاصة عديدة تتنصل من التطبيق أمام غياب الرقابة والمتابعة بالتوازي مع ارتفاع التضخم.
قال الباحث في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة في تصريحات لـ”العرب” إن بعض الغضب الحكومي من القطاع الخاص مشروع، لوجود قطاعات تمنح رواتب لا تتواءم مع مظلة الحماية الاجتماعية، وهذا في حد ذاته تهديد للأمن المجتمعي ويغذي القلق في الشارع في توقيت لا يسمح بوجود مراكز قوى تتحدى سياسات الدولة.
وتتعامل الحكومة مع تكريس الهدوء في الشارع كأولوية سياسية، لكن تفاقم مشاكل عمال القطاع الخاص وكثرة الاحتجاجات العمالية للمطالبة بالمساواة مع القطاع الحكومي في زيادات الأجور قد يؤديان إلى نتائج سلبية على المستويين الاقتصادي والمجتمعي ويحملان ارتدادات سياسية إذا خرجت التظاهرات عن سيطرة الأمن وحاول بعض الخصوم تأجيجها.
وأعاد تكرار وقائع الاحتجاجات الأخيرة في بعض الشركات، التذكير بالانتفاضة العمالية التي كانت ضمن مسببات ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي أطاحت بنظام حسني مبارك، وهذا بالنسبة للحكومة قد يكون مبررا كافيا للتصعيد ضد القطاع الخاص الذي لا يكترث بخطط الدولة لتحسين الظروف المعيشية ووصل الأمر حد الابتزاز.
وأضاف الباحث كريم العمدة لـ”العرب” أن عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور يجعل الحكومة متهمة بالتسويق لأوهام، وهذا لا يصح، لأن الناس لا تقيس تحسن الظروف المعيشية بالقرارات فقط، بل بالقدرة على تطبيقها، ومن المهم تحسين رواتب العاملين بالقطاع الخاص بحكمة وعقلانية بعيدا عن أي صدام قد يفاقم الأزمة الاقتصادية.
وتظل المشكلة الحقيقية في تباعد المسافات بين الحكومة والقطاع الخاص، وظهر ذلك في رفض شريحة من كبار رجال الأعمال لرؤية حكومية عقيمة قادت إلى ارتفاع معدلات التضخم وتعثر عمليات الإنتاج، ثم تتم مطالبتهم بتحمل النتيجة عبر زيادة أجور العاملين بالقطاع الخاص وتعويضهم عن الغلاء والظروف المعيشية الصعبة.
وقد يؤدي التعامل الخشن مع المستثمرين في ملف دقيق مثل الأجور إلى مشكلة اقتصادية أعمق عندما تدخل الحكومة في صدام مع الشريحة التي يتم التعويل عليها لتوفير العملة الصعبة وزيادة الإنتاج والتصدير وفتح فرص لتوظيف الشباب، لأن العناد يقود إلى تسريح نسبة من العمالة في قطاعات حيوية ما يحرج أجهزة الدولة.
ويمثل عدم امتلاك الحكومة أوراق ضغط على القطاع الخاص نقطة مفصلية في الخلاف الراهن حول تطبيق مظلة الحماية الاجتماعية، وسط ترقب من الملايين من أسر العمال لما ستؤول إليه الأزمة، لكن يبدو أن الحكومة حسمت قرارها بعدم الوقوف متفرجة وهي تتعرض لانتقادات واسعة واتهام بعدم فرض سلطتها لإنصاف البسطاء.
تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال سفارات وجاليات ، وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم سياحة وآثار ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .