أخبار وتقارير

من أين جاءت ثقة ترامب بإقناع رئيس مصر وملك الأردن

صوت المصريين - The voice of Egyptians

 

أشارت الطريقة التي تعامل بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن مقترحه الشهير لتهجير سكان قطاع غزة إلى أنه على ثقة من إقناع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني باستقبال هؤلاء في بلديهما، ومع كل التناقض والازدواجية والتذبذب الذي خيّم على المقترح الأيام الماضية لم ييأس من إبداء قدرته على تنفيذه، وإن لم يكن حاليا فلاحقا، دون أن تتزعزع ثقته في إقناع رئيس مصر وملك الأردن.

وأدى قيام ترامب بوضع نهاية سريعة لزوبعة التهجير وقوله “لا داعي إلى العجلة على الإطلاق” إلى تفسير جزئي لهذه الثقة المعنوية، إذ يعلم أن مقترحه غير قابل للتطبيق.

كانت الثقة التي أبداها استندت على ما قدمته الولايات المتحدة إلى البلدين من مساعدات على مدار العقود الماضية، ومتناسيا حجم المكاسب الأميركية من وراء السلام الذي وقعته مصر والأردن مع إسرائيل والفوائض المادية التي حققتها واشنطن من الهدوء والاستقرار في المنطقة، والتحولات الإستراتيجية التي تحققت في الشرق الأوسط وما نجم عنها من حماية للمصالح الأميركية، ناهيك عن أن جزءا من هذه المساعدات كان يعود إلى الولايات المتحدة، وفقا لشروطها، حيث يتم شراء الأسلحة وقطع الغيار منها، كما أن المساعدات لها ضوابط تعود بالفائدة على واشنطن أيضا.

ولأن ترامب يتعامل مع السياسة الأميركية بمنطق رجل الأعمال والخبير في مجال العقارات والمضارب والمقامر، بدأ يدرك حجم الضرر الذي سوف يقع على بلاده جراء إجبار القاهرة وعمّان على قبول مقترحه، إلا إذا كانت ثقته في تطبيقه نابعة من صفقات سرية وتفاهمات غير معلنة، أو أنه يمتلك أدوات ضغط لا أحد يعلمها سواه، ولو كان أيّ من هذه المضامين حاضرا في ذهنه فقد دحضه الرفض الواضح من الرئيس السيسي والملك عبداالله، والحملة الدبلوماسية التي قادتها مصر والأردن ضد المقترح، ولا تحتمل التباسا.

وصول وفد التفاوض الإسرائيلي إلى الدوحة

لم يدرك الرئيس ترامب أن المسألة لا تتعلق بشأن شخصي الرئيس والملك، بل تمس مصالح بلديهما، ومهما كانت قدرته على ممارسة الضغط وقيمة ما أسدته بلاده أو هو شخصيا لكليهما، فالقضية أكبر من ذلك، فهي وجودية بالنسبة إلى الأردن الذي يمكن أن تهتز تركيبته السكانية ويصبح الفلسطينيون أغلبية، فالقبول بجزء من سكان غزة يمهّد لترحيل سكان الضفة الغربية إلى الأردن، ومصيرية بالنسبة إلى القاهرة التي خاضت حروبا عدة بسبب القضية الفلسطينية، والتي على صلة وثيقة بالأمن القومي المصري، ومقتضياته الإقليمية، فالترحيل الدائم أو المؤقت مقدمة لتصفية هذه القضية، ومن ثم التمهيد نحو تقويض اتفاقية السلام مع إسرائيل.

سواء أكان الرئيس الأميركي يعلم أم يجهل هذه المحددات فإنه لم يتخل تماما عن مقترحه، حيث وضعه على الرف، ولعل زيارتي كل من الملك عبدالله في الحادي عشر من فبراير الجاري، والرئيس السيسي (لم يتحدد موعدها النهائي)، إلى واشنطن ستكونان كاشفتين، وتضعان النقاط على الحروف، وتتكفلان بتفسير طبيعة الثقة التي راودت ترامب، ومن أين جاءت، وهل اللقاء المباشر يوضح المعالم التي اعتمد عليها الرجل وتراجعه، أم أنه استجاب لما وصله من خلال تصريحات كبار المسؤولين ووسائل الإعلام في البلدين، وطيف رفض واسع يمثله زعماء آخرون، بينهم مسؤولون في إسرائيل والولايات المتحدة، وصفوه بـ”الخيالي” و”المتغطرس” و”المجنون”.

تكفي التوصيفات المتعددة لردع ترامب وتحجيم أيّ قبول على سبيل اللياقة الدبلوماسية والمجاملة من قبل الرئيس المصري وملك الأردن، وربما تكون عمليات التحفظ والتشكيك من قادة في إسرائيل نفسها كافية لمراجعة ترامب مقترحه وعدم تأجيله فقط، ويقتنع أن ثقته المبالغ فيها لتمريره لا تستند إلى مقومات واقعية، لأن أيّ قبول ظاهر أو موافقة ضمنية من الرئيس السيسي والملك عبداالله لن تمرّ، ومهما كان الدعم الذي قدمه أو سوف يقدمه لهما لن يفلح في إنقاذهما من مقصلتي الشعب والتاريخ.

كشفت تقارير مصرية وأردنية عن رفض القاهرة وعمّان إغراءات مادية سخية للقبول بسيناريو التوطين، وهي دلالة على أن الملف يجب التعامل معه بطريقة مختلفة عن تفكير تاجر العقارات، الذي يقيس الأمر بحجم المكاسب والخسائر المادية، إلا إذا كان ترامب قذف بقنبلته وهو يريد شيئا آخر، لأن ردود الفعل التي وصلته قالت إن انفجار القنبلة سوف يفضي إلى أزمات أكبر، بينها ما يصيب ترامب بعد أن ولّد مقترحه عاصفة إقليمية وتحول إلى مزحة دولية، عبّرت عن نمط عشوائي من التفكير سوف يدخل العالم في دوامات من الصراعات الممتدة.

ما يمكن أن يقوله ملك الأردن والرئيس المصري في واشنطن يحدد البوصلة لدى الرئيس الأميركي، وما إذا كان مصمما على تنفيذ مقترحه أم هي فكرة لحثهما ودول عربية أخرى على تقديم بدائل قابلة للتطبيق، أم أنه يريد حلا للقضية الفلسطينية بأيّ ثمن، ويرضي اليمين المتطرف، فهذه أول مرة في تاريخ الولايات مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني التي يظهر فيها رئيس أميركي بهذه الصراحة من “الوقاحة”، وبدا على ثقة من تطبيقها، مع أنه يعلم ما تنطوي عليه من ظلم وإجحاف بالغين.

جاءت الثقة المبدئية التي ظهرت في خطاب ترامب تجاه إمكانية قبول الرئيس السيسي والملك عبدالله من رحم رغبته هز الثقة الشعبية فيهما وإحداث بلبلة لا تنتهي، وأوحت بأن الرجل كان مصمما على إحراجهما، لأن الطريقة التي عرض بها مقترحه لأول مرة، وما اكتنفه من كذب وألاعيب ومراوغات تشير إلى أنه على استعداد لحرق أقرب أصدقائه سياسيا، ما لم يستجيبوا لتطلعاته، وهي رسالة تتجاوز حدود مصر والأردن، ووصل صداها إلى دول أخرى، ما جعل التعاطي السلبي مع مقترح التوطين مباشرا، وقاسيا أحيانا.

قد يكون الرئيس الأميركي عرف الآن ما يمكن أن تجلبه مقترحاته اللامنطقية على العالم، وعلى بلاده، لأن منهجه في إدارة السياسة الخارجية بالصدمات لا يختلف كثيرا عن منهجه في الداخل، وكلاهما جلب ضجة واستنفارا وتربصا، ويمكن أن يتسبب في تحولات كبيرة في التوجهات الأميركية حيال قضايا عدة، وقد يزيد الرفض ترامب إصرارا على التمسك بتصوراته.

في الحالتين ثمة رجة سياسية واقتصادية وأمنية قد تصيب العالم، فترامب في ولايته الثانية أشد يمينية وتطرفا، وزوابعه لن تتوقف عند الملفات التي تطرّق لها، فهي تنم عن تفكير إذا نجح في الترويح له وتعميمه سيشهد النظام الدولي تغيرات واسعة.

يصلح التراجع أو الإصرار على قضية التوطين من جانب ترامب لقياس مدى قابلية دول مثل مصر والأردن للضغوط أو الرفض، وتصلح أيضا لاختبار منهج الرئيس الأميركي في المنطقة، وسوف تكشف الأيام المقبلة عن شكل الطريق الذي تسير فيه القضية الفلسطينية، ولن يتحكم فيه الرئيس السيسي وملك الأردن فقط، مع إشارة من ترامب ألمح فيها إلى وجود دول أخرى يمكن قبولها بالتوطين، ما يستلزم تبني موقف جماعي يفرمل تماما اندفاع ترامب ولا يؤجل مقترحه حتى إشعار آخر.

تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر  و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال  سفارات وجاليات ،  وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم  سياحة وآثار  ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى