ثقافة وفنون

أصدرته الدار المصرية اللبنانية .. جميل مطر يفتح بنك الحكايات والأسرار في «حكايتي مع الصحافة» وتفاصيل أيامه في سجن إسرائيلي

صوت المصريين - The voice of Egyptians

عن الدار المصرية اللبنانية، صدر كتاب «حكايتي مع الصحافة» للكاتب الصحفي الكبير جميل مطر، والذي يروي فيه تجربته الثرية في الصحافة، بداية من عمله في إدارة الصحافة بوزارة الخارجية، وصولًا إلى المحطة الأهم في حياته المهنية، وهي انتقاله للعمل في مؤسسة الأهرام.

وتجربة «مطر» في بلاط صاحبة الجلالة تجعل كتابه يقف على تخوم الصحافة والسياسة والدبلوماسية وأدب الرحلات، فهو يسرد سيرته بأسلوب مشوق، ولغة ساحرة، متناولًا علاقته بالصحافة الممثلة في جريدة «الأهرام» منذ طفولته المبكرة، ثم رحلته في العمل الدبلوماسي سواء داخل مصـر أو خارجها، وتعلمه أثناء عمله في السفارة المصرية بالهند أواخر الخمسينيات طريقة فك الرسائل المشفرة، وتشفير التقارير المطولة لإرسالها إلى الوزارة في مصر، ثم قيامه بإعداد التقرير الصحفي الأسبوعي للسفارة، والذي أتاح له قراءة وتلخيص أهم ما كان يُنشر في الصحف، ممَّا جعله على اطلاع واسع بما يدور في بلاط صاحبة الجلالة.

وببراعة يأخذنا جميل مطر لندخل معه إلى ذكرياته، فهو لا يقدم كتابًا يسرد سيرة حياة، بقدر ما يمنحنا شهادة مهمة على العمل السياسي والدبلوماسي والصحفي في مصر وعدد من دول العالم، جامعًا بين صرامة المعلومة وعمق التحليل وأناقة الوصف وجاذبية الحكي، مع قدرة واضحة على رسم صور مذهلة لكثير من الأسماء الكبرى في عالمَي الصحافة والدبلوماسية.

إهداء وشكر ومقدمة

يبدأ الكتاب بـ«إهداء وشكر ومقدمة صغيرة»؛ والذي يوجِّه فيه تحياته الخالصة للزملاء والأصدقاء والأقارب والمسؤولين الذين ساهموا في صُنع حكايته مع الصحافة. ثم يهدي كتابه إلى روح زوجته الراحلة رفيف عمر أبو ريشة، ولأبنائه وأحفاده، وللصحفيات والصحفيين الذين عملوا معه خلال مسيرته الصحفية، وبامتنانٍ واعترافٍ بالفضل والجميل، يذكر عددًا من أبرز وأهم الصحفيين المصريين، منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين ومصطفى أمين وأنيس منصور وموسى صبري ومحسن محمد وإحسان عبد القدوس وفتحي غانم ومحفوظ الأنصاري ومصطفى نبيل وصلاح الدين حافظ ولطفي الخولي ومحمد سيد أحمد وسناء البيسي.

لماذا الأهرام؟

وتحت عنوان «لماذا الأهرام؟» يبدأ جميل مطر الفصل الأول من كتابه بالإجابة عن هذا السؤال، مؤكدًا أن جريدة الأهرام كانت ولا تزال، بشكل أو بآخر، هي بطل حكايته مع الصحافة، حيث بدأت علاقته بها منذ سنوات طفولته، فكان هو مَن يفتح باب الشقة ليلتقط نسخة الأهرام الموضوعة فوق «الدوَّاسة»، يقول: «كانت نسخة الأهرام الملقاة أمام باب شقتنا فاتحة علاقة طويلة الأجل مع الأهرام؛ جريدة ومؤسسة»، ويحكي بطرافة عن زوج خالته فيقول: «كان الشيخ بيومي يُحرِّم على بناته الخمس وولديه وأنا معهم وخالتي أيضًا لمس نسخة الأهرام التي يأتي بها كل صباح موزع الصحف. حرَّم علينا قراءتها أو نقلها من مكانها إلى مكان آخر قبل أن تحملها له كل مساء وبعد العشاء كبرى بناته ليقرأها في وجودنا مجتمعين»، ويشير إلى أن علاقته بدأت بـ«الأهرام» منذ هذه المرحلة المبكرة في عمره، ونشأ معها احترامه وإعزازه لها شكلًا ومكانة ومضمونًا ونموذجًا.

ذكريات الطفولة المبكرة

ويستعيد جميل مطر مرحلة الطفولة المبكرة جدًّا بوضوح يثير الدهشة، فيتذكر مناظر وأحداثًا وروائح خاصة، تتكرر كلما تكلم أحد من كبار السن عن ذكريات بيت جدته في الجمالية. ويروي ما حدث له وهو في السادسة من عمره حين قرر أبوه أن يقضي بعض الصيف في معية معلمة بمدرسة ابتدائية للبنات في الحي لتدربه وتُعده لامتحان خاص يجريه معه ناظر مدرسة عابدين الابتدائية تمهيدًا لقبوله بالصف الثاني مباشرة، وهو ما حدث فعلًا وجعله يكون دائمًا الأصغر عمرًا في كل مراحل التعليم، واستمر حتى تقدم للتعيين في وزارة الخارجية فسمحت له الوزارة بدخول مسابقة التعيين في السلك الدبلوماسي وفي حال نجاحه يتأجل تعيينه سنتين لحين بلوغه السن القانونية!

وفي المدرسة الابتدائية يذكر قصة أخرى ترتبط بجريدة الأهرام، حيث كان مدرس اللغة العربية يدخل الفصل وتحت إبطه الجريدة ينتقي منها خبرًا أو قصة ليقرأها بصوتٍ مرتفع، ثم يمر عليهم تلميذًا بعد الآخر ليقرأوا ما سبقهم إليه.

أيام في سجن إسرائيلي!

وتستمر رحلة التعليم بداية من الروضة، مرورًا بمدرسة الخديوِ إسماعيل، والتحاقه بجمعية الكشافة في المرحلة الابتدائية، ثم اجتيازه الثانوية ليلتحق بجامعة القاهرة. ولم تخلُ هذه المرحلة من المغامرات والمخاطر، فقد «اعتقلته» إسرائيل مع أربعة من زملائه في فريق الجوالة بجامعة القاهرة، حين ذهبوا في رحلة إلى مدينة غزة، وقادهم فضولهم لمشاهدة الإسرائيليين في مستوطنة على الحدود بالأرض المحتلة، وكان نتيجة فضولهم قضاء أربعة أيام في سجن «بير سبع» الإسرائيلي، وبعد مفاوضات وضغوط استطاعت السلطات المصرية استعادة أبنائها الطلاب «المُختطَفين»، وحين عاد إلى بيته يكتشف أن مراسل «الأهرام» قد عقد اتفاقًا مع والدته، حيث كان ينقل لها الأخبار التي يحظر نشرها عن «المختطفين»، مقابل وعد بأن يكون في البيت لحظة وصول الابن لتغطية استقبالها له، يقول: «مرة أخرى تحظى جريدة الأهرام دون غيرها بالتكريم والتقدير من عائلتي، مرة أخرى أتبادل مع الأهرام صلات المودة والاهتمام، مرة أخرى يتدخل الأهرام في حياتي يؤثر ويتأثر».

الصحافة والدبلوماسية معًا

ويتحدث «مطر» عن مفارقة بدء المرحلة الدبلوماسية في حياته المهنية من مدخل الصحافة، ففي عام 1957 التحق بوزارة الخارجية كملحق دبلوماسي، وعندما ذهب بصحبة والده إلى الوزارة طلبوا منه أن يعود في اليوم التالي لاستلام العمل في إدارة الصحافة بالوزارة. يقول: «غريب أمر القدر! رفضت خيار العمل الصحفي، أو بالأصح لم تكن الصحافة أصلًا بين خياراتي، وعندما يستجيب القدر للدبلوماسية التي فضلتها على خيارات ليست أقل شأنًا يجبرني على أن أتعرف على الصحافة والصحفيين وأتعامل معها ومعهم ولكن بطريق غير مباشر، طريق الدبلوماسية».

ولكن القدر كان يُعد له أمرًا آخر، فبعد شهور معدودة قضاها في إدارة الصحافة، صدر قرار نقله إلى السفارة المصرية في نيودلهي بالهند.. لتبدأ مرحلة جديدة في حياته المهنية يتعلم فيها فك شفرة الرسائل ذات الطابع السري، وإعداد الحقائب الدبلوماسية التي تُرسل إلى القاهرة، ولكنه قبل أن يغادر إدارة الصحافة كان قد تعرف على عدد من الصحفيين الصغار الذين صاروا فيما بعد كبارًا في المكانة والسمعة والشهرة.

تقارير صحفية وبرقيات مشفرة

وصل جميل مطر إلى الهند ليستلم عمله ملحقًا سياسيًّا بسفارة مصر، وكانت رحلة العمل هناك – كما يصفها  ممتعة وشاقة ومثيرة. وهناك تعود الصحافة إلى مغازلته مرة أخرى، حين يسافر الملحق الصحفي بالسفارة إلى مصر ويتم تكليف «مطر» بإعداد التقرير الصحفي الأسبوعي بدلًا منه. يقول: «تحمست لقبول هذا التكليف. صرت أوزع على الزملاء جميعًا عرضًا يوميًّا لأهم ما يرد في الصحف من تعليقات وتحليلات وتقارير عن نشاط المسؤولين في الهند. في الوقت نفسه كنت بحكم رتبتي المتواضعة أقوم بتشفير برقيات السفارة ذات الصبغة السرية الصادرة إلى الوزارة ورئاسة الجمهورية وأحل شفرة البرقيات السرية الواردة منهما». وبمرور الوقت تكوَّنت حوله شبكة من المعارف والأصحاب أغلبهم من أبناء وبنات رؤساء البعثات الدبلوماسية والمسؤولين عن المكاتب الفنية الملحقة بها ومن صغار الدبلوماسيين، وكذلك عدد من محرري الصحف الهندية الكبرى، كما تعرف على عدد من السفراء العرب والأجانب وشخصيات من هنود قرأ لهم أو سمع عنهم، وفي هذه الفترة تعرف على زوجته «رفيف» ابنة سفير سوريا.

من الهند إلى الصين!

بعد ذلك يتحدث عن تعرضه لأزمة نشبت بينه وبين السفير أستاذ القانون الدستوري  كما يصفه  مشيرًا إلى أن هذه الأزمة كان يمكن أن تصل بعهده مع الدبلوماسية إلى نهايته لولا تجدد العهد بالصدفة المحضة، فرغم أن القرار كان على وشك أن يُتَّخذ لإنهاء خدمته، إلا أن اللواء حسن رجب سفير مصر في الصين وقتها تدخل عارضًا أنه بنفسه ومعه ظروف المعيشة القاسية في الصين سوف يتوليان تهذيبه وتدريبه؛ لتبدأ رحلة عمل جديدة في الصين، يعتبرها فترة تعليم وتدريب، أدى فيها جميع المهام الروتينية مثل أمن السفارة وفك شفرة البرقيات الرمزية والاشتراك في رياضات المشي والتمارين التي كان ينظمها السفير للمحافظة على صحة الموظفين وإعداد التقارير السياسية.. وهي الرحلة التي تلتها رحلات مهنية أخرى في إيطاليا والأرجنتين.

وفي الصين عانى من مقال «هيكل»! يقول: «كانت أصعب أيام عملي في السفارة في بكين يومي الخميس والجمعة. ففي مساء الخميس تصلنا برقية رمزية فريدة من نوعها، مخالفة لكافة التعليمات الأمنية الخاصة بأعمال الرمز والتشفير. برقية مطولة جدًّا نعرف سلفًا مضمونها، ألا وهو المقال الأسبوعي الذي يكتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل في عموده الشهير الذي يحمل عنوان: بصراحة»، وقد ظلت هذه الذكرى تؤرقه حتى عمل مع هيكل بعد ذلك، يقول: «أذكر أنني عاتبت هيكل بعد مرور سنوات ونحن معًا في الرحلة التي أخذتنا إلى الصين. وقتها تذكرت مشقة فك شفرة مقالاته وحاولت أن أفهم منه الدافع إلى التشفير وهي في الأصل منشورة أو مذاعة على الكافة».

بداية الرحلة الممتعة

تنتهي رحلة جميل مطر الدبلوماسية، التي كانت تُعده وتهيئه لرحلته الممتعة بعد ذلك مع الصحافة، وتحديدًا في مؤسسة الأهرام، ومع نجمها الأبرز محمد حسنين هيكل. وهي الرحلة التي يتناولها بالتفصيل في أحد عشر فصلًا من كتابه (من 16 فصلًا)، حيث يتناول ألغازًا وأسرارًا وكواليس عاشها في بلاط صاحبة الجلالة. يقول: «أحب دائمًا أن أُعبر عن سعادتي بحسن حظي الذي لازم معظم حكايات حياتي العملية وخاصة حكايتي مع الصحافة».

ويسترجع بداية انضمامه إلى مؤسسة الأهرام، فقد كان في رحلة إلى نيويورك حيث كان يعمل على إعداد رسالته للدكتوراه وعنوانها: «أساليب تسوية النزاعات في القرية المصرية»، وتحدث مع صديقه وزميله نبيل العربي، عن طموحه لرسالته، ونيته الانتقال بالعائلة إلى القاهرة، يقول: «اقترح نبيل للاقتصاد في النفقات وتمويل فترة إعداد الرسالة، أن يعرض على صهره الأستاذ هيكل الاستفادة من خبرتي في العمل الدبلوماسي ودراستي للدكتوراه في جامعة ماكجيل بإلحاقي لفترة مؤقتة ولمهمة محددة بمركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية»، هذا المركز هو نفسه الذي أصبح فيما بعد مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

الحكاية المثيرة والثرية

رحَّب الأهرام بانضمام «مطر» عضوًا بالمركز ورئيسًا لوحدة العلاقات الدولية.. ومن هنا بدأت حكايته المثيرة والثرية مع الصحافة، والتي منحتها رونقًا وتميزًا علاقته مع نجم الأهرام والصحافة المصرية والعربية وقتها محمد حسنين هيكل، الذي يصف جميل مطر لقاءه الأول معه فيقول: «كان لقائي الأول برئيس التحرير مشهودًا. رحَّب بي الترحيب الواجب وقال إنه سمع عني من أشخاص يكنون لي مودة خاصة، ولذلك لم يستعجل اللقاء معي إلا بعد أن يعرف أكثر عني ومن مصادر يثق بموضوعيتها»، ويستمر الحديث عن «هيكل» طوال الكتاب: كيف كان اللقاء الأول؟ وما النصيحة التي وجَّهها له تعليقًا على مقاله الأول بعد نشره في الأهرام؟ وكيف امتدت الجلسة الأولى لساعات حاول فيها «هيكل» سبر أغواره؟ يقول: «أراد هيكل أن يحصل على كل المعلومات في جلسة واحدة. كان بارعًا، بل مذهلًا، في سعيه وراء المعلومة».

وبعد أن كان «هيكل» بالنسبة إلى جميل مطر مجرد اسم متألق ومشهور ومؤثر، اقترب منه ونمت علاقتهما حتى وصلت إلى درجة الندية، ثم الصداقة، فكان «هيكل» يدعوه إلى حضور جلسات السمر والعمل المهمة في بيته على ترعة المنصورية، حيث تُطبخ الأحداث وتُكتب الحكايات، ورافق هيكل  بناءً على طلبه وإصراره – في رحلتين طويلتين خارج مصر، فأصبح بإمكان جميل مطر أن يلمس عن قرب كيف يعامل هيكل الأباطرة والرؤساء والزعماء والسياسيين، ممَّا أضاف الكثير إلى رصيده في بنك الحكايات والأسرار، وقد باح بأكثره في كتابه «حكايتي مع الصحافة»، وربما احتفظ بالقليل لمناسبة أخرى قد تكون قريبة!

 

 

 

 

 

 

إضاءة

جميل مطر.. درس العلوم السياسية بجامعة القاهرة. التحق بالعمل في وزارة الخارجية، وعمل في سفارات مصر بالهند والصين وإيطاليا والأرجنتين. استقال من عمله الدبلوماسي وحصل على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة ماكجيل بكندا عام 1971. عاد إلى مصر ليعمل في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام عام 1976، قبل أن يلتحق بالعمل في جامعة الدول العربية. تفرغ عام 1988 لتأسيس المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل، وفي عام 1998 شارك في تأسيس مجلة «الكتب: وجهات نظر»، وشارك منتصف عام 2009 في تأسيس صحيفة «الشروق» اليومية.

تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر  و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال  سفارات وجاليات ،  وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم  سياحة وآثار  ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى