استمرار المقاطعة والتضامن مع فلسطين.. كيف هزمت المنتجات المحلية في مصر وباكستان شركات “بيبسي” و”كوكاكولا”؟
استمرار المقاطعة والتضامن مع فلسطين.. كيف هزمت المنتجات المحلية في مصر وباكستان شركات “بيبسي” و”كوكاكولا”؟
وقد أنفقت شركة كوكاكولا ومنافستها بيبسي مئات الملايين من الدولارات على مدى عقود لتعزيز الطلب على مشروباتهما الغازية في الدول ذات الأغلبية المسلمة بما في ذلك مصر وباكستان.
وتواجه الشركتان حاليا منافسة من مشروبات غازية محلية في تلك الدول بسبب مقاطعة من المستهلكين تستهدف علامات تجارية عالمية وذلك تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
ففي مصر انخفضت مبيعات كوكاكولا، بينما زادت صادرات العلامة التجارية المحلية (في 7) لمنطقة الشرق الأوسط خلال العام الجاري بما يعادل ثلاثة أمثال الكمية خلال العام الماضي.
وفي بنغلادش أتت حملة كوكاكولا الإعلانية في وجه المقاطعة بنتائج عكسية. وتبخر النمو السريع لشركة بيبسي في شتى أنحاء الشرق الأوسط بعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت سُنبل حسن، وهي باكستانية تعمل رئيسة تنفيذية للشؤون المالية، من بين أولئك الذين قاطعوا كوكاكولا وبيبسي، إذ رفضت إضافتهما إلى قائمة الطعام عند التحضير لزفافها في وقت سابق من العام الجاري، قائلة إنها لا تريد لأموالها أن تصل إلى خزائن الضرائب في الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل.
وقالت سنبل “عبر المقاطعة.. يمكن للمرء لعب دور بعدم المساهمة في هذا الدعم المالي”. وقدمت سنبل لضيوف زفافها العلامة التجارية الباكستانية كولا نكست.
انخفاض كبير في المبيعات
السيدة الباكستانية لا تسير وحيدة في هذا الطريق، وفي حين يقول محللو السوق إنه من الصعب تحديد رقم بالدولار للمبيعات المفقودة وإن شركتي بيبسيكو وكوكا كولا لا تزالان تتمتعان بأعمال متنامية في العديد من البلدان في الشرق الأوسط، عانت العلامات التجارية للمشروبات الغربية من انخفاض في المبيعات بنسبة 7% في النصف الأول من العام الجاري، وفقا لشركة أبحاث السوق نيلسن آي.كيو.
وفي حديث لرويترز خلال الشهر الجاري أشار قاسم شروف مؤسس تطبيق كريف مارت، وهو تطبيق توصيل واسع الانتشار في باكستان، إلى زيادة شعبية مشروبات محلية مثل كولا نكست وباكولا اللذين قال إنهما أصبحا يشكلان ما يعادل 12% من مشتريات المشروبات الغازية عبر التطبيق.
وقال شروف إن النسبة كانت قرب 2.5% قبل المقاطعة، مضيفا أن باكولا وهو مشروب غازي بنكهة الآيس كريم هو الأكثر مبيعا.
شعبية المقاطعة
ويعود تاريخ المقاطعة كفعل احتجاجي يتبناه المستهلكون إلى حركة مقاطعة السكر في بريطانيا في القرن الثامن عشر احتجاجا على العبودية. كما استُخدمت أيضا في مواجهة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في القرن العشرين، كما استُخدمت على نطاق واسع ضد إسرائيل وشملت أيضا سحب استثمارات وفرض عقوبات.
ويشير بعض المستهلكين الذين يقاطعون منتجات كوكاكولا وبيبسي إلى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل على مدى عقود، بما في ذلك خلال الصراع الأخير مع حركة المقاومة الفلسطينية (حماس).
وقال رامون لاجوارتا الرئيس التنفيذي لشركة بيبسيكو لوكالة رويترز في مقابلة أجريت معه في 11 يوليو/تموز “يقرر بعض المستهلكين اتخاذ خيارات مختلفة في مشترياتهم بسبب قناعات سياسية”، مضيفا أن المقاطعة “تؤثر على مناطق جغرافية معينة”، مثل لبنان وباكستان ومصر.
“بيبسيكو”: المقاطعة ليست مؤثرة
وأوضح قائلا “سنتمكن من تجاوز الأمر بمرور الوقت… فالمسألة ليست مؤثرة في إيراداتنا أو أرباحنا حاليا”.
أظهرت بيانات الأرباح أن إجمالي إيرادات بيبسيكو من وحدة أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بلغ 6 مليارات دولار في عام 2023. وفي نفس العام، بلغت إيرادات كوكاكولا من منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا 8 مليارات دولار، كما تظهر بيانات الشركة.
وذكرت الشركة أن أحجام مبيعات وحدة أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا لم تشهد نموا يذكر في الأشهر الستة التي أعقبت الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة التي جاءت بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بعد أن سجلت نموا بنسبة 8% و15% في نفس الفترة من 2022-2023.
وانخفضت أحجام مبيعات كوكاكولا في مصر بنسبة مئوية من رقمين في الأشهر الستة المنتهية في 28 يونيو/حزيران، وفقا لبيانات الشركة. وفي نفس الفترة من العام الماضي، ارتفعت الأحجام بأقل من 10%.
“كوكاكولا”: لا نمول العمليات العسكرية في إسرائيل
وقالت كوكاكولا إنها لا تمول العمليات العسكرية في إسرائيل أو أي دولة أخرى. وردت بيبسيكو على طلب من رويترز للتعليق قائلة إن الشركة “وعلاماتنا التجارية لا تربطها أي صلة بأي حكومة أو جيش في الصراع”.
وأسس رجل الأعمال الفلسطيني الأميركي زاهي خوري شركة المشروبات الوطنية ومقرها رام الله، والتي تبيع منتجات كوكاكولا في الضفة الغربية. وقال إن مصنع الشركة الذي بلغت تكلفته 25 مليون دولار في غزة وافتُتح في 2016 دُمر خلال الحرب. وأوضح أن الموظفين لم يصابوا بأذى.
وقال خوري إن المقاطعة مسألة اختيار شخصي لكنها لم تساعد الفلسطينيين حقا. وأضاف أنه في الضفة الغربية نفسها كان تأثيرها على المبيعات محدودا.
وقال خوري، الذي يؤيد تأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل “إنهاء الاحتلال فقط هو الذي سيحسن الوضع”.
ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على طلب للتعليق.
أهداف تاريخية
الضغوط التي تتعرض لها شركات المشروبات الغازية الكبرى في دول العالم الإسلامي، التي تضم مئات الملايين من المستهلكين، ليست بالجديدة.
فبعد أن افتتحت شركة كوكاكولا مصنعا في إسرائيل في الستينيات، تعرضت لمقاطعة من جامعة الدول العربية استمرت حتى أوائل التسعينيات واستفادت منها شركة بيبسي في الشرق الأوسط لسنوات.
ووفقا لشركة غلوبال داتا، لا تزال حصة شركة كوكاكولا أقل من بيبسي في الأسواق المصرية والباكستانية.
وتعرضت شركة بيبسيكو، التي دخلت إسرائيل في أوائل التسعينيات، لمقاطعة عندما اشترت شركة صودا ستريم الإسرائيلية في عام 2018 مقابل 3.2 مليار دولار.
لكن الدول ذات الأغلبية المسلمة، التي يزيد فيها عدد الشباب بين السكان، قدمت لشركات المشروبات الغازية العملاقة في السنوات الأخيرة بعض العوامل التي جعلتها تحقق نموا سريعا.
وتقول شركة كوكاكولا إنها استثمرت مليار دولار في باكستان وحدها منذ عام 2008 مما أسفر عن نمو المبيعات بأرقام في خانة العشرات على مدى سنوات. وحققت شركة بيبسيكو مكاسب مماثلة، وفقا لإفصاحات البورصة.
اللعب على وتر المنتجات المحلية
والآن، تتراجع الشركتان أمام العلامات التجارية المحلية.
وغيرت شركة كولا نكست، ومنتجاتها أرخص من كوكاكولا وبيبسي، شعار إعلاناتها في مارس/آذار إلى “لأن كولا نكست باكستانية” لتؤكد أنها منتج محلي.
وقال ميان ذو الفقار أحمد الرئيس التنفيذي لشركة ميزان للمشروبات، الشركة الأم لكولا نكست، في مقابلة إن مصانع كولا نكست لا تستطيع تلبية الزيادة في الطلب. ورفض الكشف عن أحجام الكميات.
وذكر أن الشركة تعتزم الاستثمار لكنه قال إن التوسع قد يستغرق سنوات.
وشاركت المطاعم ورابطة المدارس الخاصة في كراتشي وطلاب الجامعات في إجراءات مناهضة لكوكاكولا مما أدى إلى تراجع الشعبية التي ظلت الشركة تبنيها من خلال رعاية برنامج “كوك ستوديو” الموسيقي الشهير في باكستان.
قفزة في الصادرات بنحو 300%
وفي مصر، قال محمد نور مؤسس شركة في7 في مقابلة إن صادرات الشركة قفزت 300% هذا العام مقارنة بعام 2023.
وذكر نور، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة كوكاكولا التي تركها في عام 2020 بعد 28 عاما من العمل فيها، إن منتجات في7 تباع الآن في 21 دولة.
وأضاف أن المبيعات في مصر، التي لم يكن المنتج موجودا فيها قبل يوليو/تموز 2023، ارتفعت بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي.
ووفقا لبيانات شركة كوكاكولا إتش.بي.سي، التي تعبئ المشروب في مصر، انخفضت المبيعات بنسبة في خانة العشرات خلال الأشهر الستة المنتهية في 28 يونيو/حزيران.
وكانت الكميات قد بلغت أرقاما كبيرة في الفترة نفسها من العام الماضي.
وحذر بول ماسجريف الأستاذ المشارك بجامعة جورج تاون في قطر من الأضرار طويلة الأمد التي قد تلحق بولاء المستهلكين بسبب المقاطعة.
وأضاف دون أن يقدم تقديرا للخسائر المالية التي قد تتكبدها الشركات “إذا غيرت عاداتك فسيكون من الصعب اجتذابك مرة ثانية في الأمد الطويل”.
نتائج عكسية في بنجلادش
في بنغلادش، أطلقت شركة كوكاكولا إعلانا يظهر فيه صاحب متجر يتحدث عن عمليات الشركة في فلسطين.
وبعد احتجاجات عامة، سحبت كوكا كولا الإعلان في يونيو/حزيران واعتذرت. وردا على سؤال من رويترز، قالت الشركة إن الإعلان “كان غير موفق”.
وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في مجال الإعلان في بنغلادش، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن الإعلان زاد من حدة المقاطعة.
وتواجه علامات تجارية أخرى تمثل رموزا للثقافة الغربية مثل ماكدونالدز وستاربكس نفس حملة المقاطعة المناهضة لإسرائيل.
ووفقا لنيلسن آي.كيو، فإن حصة العلامتين العالميتين من السوق تراجعت 4% في النصف الأول من عام 2024. لكن مقاطعة المشروبات الغازية كانت أكثر انتشارا بين المستهلكين.
وإلى جانب تأثير المقاطعة، أدت معدلات التضخم والاضطرابات الاقتصادية في باكستان ومصر وبنغلادش إلى تآكل القدرة الشرائية للمستهلكين حتى قبل الحرب، مما جعل العلامات التجارية المحلية الأرخص أكثر جاذبية.
وذكرت شركة غلوبال داتا لأبحاث السوق أن حصة كوكاكولا من السوق الباكستانية تراجعت عام 2023 إلى 5.7% مقارنة مع 6.3% عام 2022 في حين انخفضت حصة بيبسي إلى 10.4% من 10.8%.
خطط مستقبلية
تعتبر شركة كوكاكولا وشركات التعبئة والتغليف التابعة لها، بالإضافة إلى شركة بيبسيكو، هذه الدول مناطق مهمة للنمو، لا سيما مع تباطؤ الأسواق الغربية.
ورغم المقاطعة، استثمرت كوكاكولا 22 مليون دولار أخرى في تطوير التكنولوجيا في باكستان في أبريل/نيسان، حسب بيان صحفي أصدرته في ذلك الوقت.
وقالت كوكاكولا لتعبئة المشروبات في باكستان للمستثمرين في 23 مايو/أيار إنها لا تزال “متفائلة بشأن الفرصة” التي توفرها خامس أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، وإنها تستثمر في السوق بالتزام طويل الأجل.
طرح منتجات جديدة بأسماء مختلفة
وقال متحدث باسم بيبسيكو إن الشركة أعادت طرح علامة تجارية تسمى (تيم صودا) بنكهة الليمون الحامض في السوق الباكستانية في الأسابيع القليلة الماضية. والمنتج متاح الآن بنكهة الكولا مع ملصق مكتوب عليه “صنع في باكستان” بشكل واضح.
وتعمل الشركتان على دمج علامتهما التجارية في نسيج المجتمعات المحلية من خلال رعاية الجمعيات الخيرية والموسيقيين وفرق الكريكت.
وقال ماسجريف من جامعة جورج تاون إن هذه الخطوات مهمة لشركتي كوكاكولا وبيبسي للحفاظ على وجودهما في هذه الدول في الأجل الطويل، حتى في ظل مواجهة خسائر في الوقت الراهن.
وأضاف “أي شيء يمكنك القيام به لتجعل نفسك حليفا أو جزءا من المجتمع يحدث فرقا”.