رغم الطفرة الواسعة التي حققتها الشركة، وبوصفها “فرس رهان” وول ستريت، إلا أن “إنفيديا” واجهت رياحاً معاكسة عاتية.. فما القصة؟
انخفضت أسهم شركة “إنفيديا” بنحو 2 بالمئة في تداولات ما قبل السوق، الأربعاء، وذلك بعد أن ذكرت وكالة بلومبرغ أن الشركة تلقت استدعاءً من وزارة العدل كجزء من تحقيق مكافحة الاحتكار.
يأتي الانخفاض بعد أن انخفضت الشركة بنحو 10 بالمئة خلال التداول العادي أمس الثلاثاء، مما أدى إلى محو 279 مليار دولار من قيمتها السوقية. ثم انخفض سهم الشركة في تداولات ما بعد السوق، وانخفض بنحو 1.94 بالمئة في سوق ما قبل السوق يوم الأربعاء في الساعة 4:32 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة.
وفقاً لبلومبرغ، لم يصل تحقيق وزارة العدل إلى مرحلة الشكوى الرسمية. وطرحت الوكالة أسئلة حول ما إذا كانت إنفيديا تجعل من الصعب التحول إلى موردين آخرين لشرائح الذكاء الاصطناعي.
تمتلك الشركة أكثر من 80 بالمئة من سوق شرائح الذكاء الاصطناعي لمراكز البيانات، وفقًا لتقديرات الصناعة، بحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
ارتبط الارتفاع الهائل لشركة إنفيديا في السنوات الأخيرة بشكل مباشر بهيمنتها على شرائح الذكاء الاصطناعي لمراكز البيانات، والتي تأسست قبل سنوات من بدء المنافسين AMD و Intel في التعامل مع الفئة بجدية.
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، طورت شركة Nvidia لغة برمجة لشرائحها، تسمى CUDA، وهي أداة رئيسية للمهندسين الذين يقومون بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل النموذج الموجود في قلب ChatGPT.
إن عديداً من كبار عملاء إنفيديا هم شركات سحابية بالإضافة إلى عمالقة الإنترنت، بما في ذلك مايكروسوفت وألفابت وميتا وأمازون وتيسلا.
نظرًا لأن شرائح الذكاء الاصطناعي من إنفيديا أصبحت سلعة ساخنة، فقد أصدرت الشركة اشتراكات جديدة في برامج المؤسسات وسوقت منتجات الشبكات الخاصة بها كمكملات مهمة للحصول على أقصى استفادة من شرائحها.
يمكن أن تأتي الإصدارات الحديثة من شرائح إنفيديا مثبتة مسبقًا في رفوف خوادم مصممة بالكامل من قبل إنفيديا، وهو مثال على جهود إنفيديا للانتقال من كونها مجرد مورد للأجزاء إلى مزود أنظمة كاملة.
وثمة مجموعة من الرياح المعاكسة لأداء الشركة، التي شهدت أسهمها تراجعاً حاداً أخيراً رغم رهانات الصناعة عليها.
من بين تلك العوامل أيضاً ما يرتبط بالمخاوف المتزايدة بشأن صحة الاقتصاد الأميركي.
كما أدت الأخبار الواردة من الصين وغيرها من الديناميكيات الجيوسياسية إلى عمليات بيع مكثفة لشركة إنفيديا وغيرها من أسهم الرقائق في تعاملات الثلاثاء.
كذلك يشعر المستثمرون بالقلق قبل تقرير الوظائف هذا الأسبوع.. من المتوقع أن تصدر وزارة العمل الأميركية أحدث بياناتها بشأن التوظيف يوم الجمعة، وتشهد وول ستريت ارتفاعاً في المشاعر السلبية قبل صدور التقرير.
يتطلع المستثمرون إلى خفض أسعار الفائدة الذي من المتوقع أن ينفذه بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر، وقد يكون خفض أسعار الفائدة أكبر مما توقعه العديد من المحللين في البداية. ولكن هناك مشكلة.
ويضاف إلى ذلك –بحسب تقرير لشركة الخدمات المالية fool- المخاوف من دخول الصين تايوان، وبما قد يضرب أسهم الرقائق مرة أخرى.
في مقابلة أجريت معه يوم الأحد، قال الرئيس التايواني لاي تشينج تي إن الصين لابد وأن تتحرك لاستعادة أراضٍ من روسيا إذا كانت تريد أن تجعل تايوان إقليماً رسمياً لها. وبدلاً من الإشارة إلى ضرورة استعادة الصين للأراضي الروسية التي كانت تقع ضمن حدودها، كان لاي يدلي بتصريح حول ما إذا كانت الحكومة الصينية متسقة منطقياً في بعض الأسباب التي أعلنتها لخططها الرامية إلى فرض سيطرة أكبر على تايوان. ومع ذلك، يبدو أن تعليقات رئيس تايوان تسلط الضوء على الخطر المتمثل في احتمال حرب الصين في تايوان في وقت ما في المستقبل غير البعيد.
في حين ادعت الحكومة الصينية منذ فترة طويلة أن تايوان جزء من أراضيها بالفعل، فقد اكتسب هذا الادعاء أهمية إضافية في ضوء الدور الحاسم الذي تلعبه تايوان في تصنيع أشباه الموصلات واتجاهات الذكاء الاصطناعي.
تعد الدولة الجزيرة موطنًا لشركة Taiwan Semiconductor Manufacturing – الشركة الرائدة في تصنيع أشباه الموصلات التي تتحمل مسؤولية تصنيع الرقائق المتقدمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
تعتمد إنفيديا على TSMC لتصنيع رقائقها، وأي اضطرابات في إنتاج الشركة الرائدة في التصنيع قد يكون لها آثار كبيرة على أداء الشركة.
من جانبه، قال رئيس الأسواق العالمية في “Cedra Markets”، جو يرق ، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن تراجع سهم إنفيديا كان أمرًا متوقعًا بعد الارتفاعات الجنونية التي شهدها منذ بداية العام، حيث بلغت نسبة ارتفاعه نحو 154 بالمئة وتضاعفت قيمته عدة مرات.. ومع الارتفاعات القياسية خلال السنتين الماضيتين، فإن حدوث تصحيح طبيعي أمر لا مفر منه.
وأضاف يرق أن الاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي يعتبر عادة استثمارًا طويل الأجل، وليس قصير أو متوسط المدى، لافتاً إلى أن الارتفاع الكبير في سهم إنفيديا دفع عديداً من المتداولين والخبراء إلى جني الأرباح، وهو أمر طبيعي يحدث مع أي سهم يشهد مثل هذا الارتفاع الحاد.
وتابع: “إن التقييمات المرتفعة للشركة، رغم أنها مرضية، لم تكن كافية لتبرير هذا الارتفاع الكبير”، موضحاً أن ظهور أرقام اقتصادية ضعيفة في الولايات المتحدة واحتمالية حدوث ركود اقتصادي قد يؤثران على استثمارات الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي، وبالتالي على نتائج إنفيديا المستقبلية.
واختتم يرق تصريحه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بالإشارة إلى أن التحقيق الخاص بوزارة العدل الأميركية بشأن ممارسات إنفيديا الاحتكارية يمثل عاملاً إضافيًا قد ساهم في الضغط على السهم.
وخلال تعاملات الثلاثاء في وول ستريت، أدى الانخفاض الحاد في أسهم شركة إنفيديا إلى خسارة ما يقرب من 300 مليار دولار من القيمة السوقية لشركة صناعة الرقائق الإلكترونية، مما أثر على السوق الأوسع.
ارتفعت أسهم الرقائق الإلكترونية في العام الماضي وسط تفاؤل بأن طفرة الذكاء الاصطناعي ستتطلب من الشركات تعزيز الإنفاق.
لا تزال شركة إنفيديا مرتفعة بنسبة 118 بالمئة خلال العام بعد هبوط يوم الثلاثاء.
مزيج من العوامل
وإلى ذلك، قال العضو المنتدب لشركة “آي دي تي للاستشارات والنظم التكنولوجية” خبير أسواق المال محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن الأداء الاستثنائي لسهم “إنفيديا” خلال السنة ونصف بشكل خاص يبرر البحث والتحليل في أسباب صعود وهبوط أسهم الشركة، مشدداً على أن انخفاض السعر وموجات البيع يعود إلى مزيج من الأسباب، سواء تلك المتعلقة بالسوق وكذلك المتعلقة بأداء الشركة، وعوامل خارجية أخرى.
فيما يخص العوامل المرتبطة بالسوق، أوضح سعيد أن سهم “إنفيديا” شهد ارتفاعًا هائلًا خلال عامي 2023 و2024، حيث قفزت القيمة السوقية للشركة من حوالي 600 مليار دولار إلى ثلاثة تريليونات دولار،وهذا الارتفاع القوي عادةً ما تصاحبه عمليات جني أرباح من المستثمرين الذين يستهدفون الأرباح السريعة من سعر السهم بدلاً من الاستثمار طويل الأمد. وأضاف أن جني الأرباح يعد أمرًا طبيعيًا، خاصة بعد الارتفاعات القياسية التي شهدها السهم، وهو العامل الأكثر تأثيرًا في الوقت الحالي.
وعلى الرغم من أن نتائج الأعمال كانت أفضل بكثير من التوقعات، إلا أن التوقعات التي أعلنتها الشركة لنتائج الربع الثالث لم تكن على نفس المستوى من الطموح. وأشار سعيد إلى أن النتائج كانت إيجابية ونموها كان قويًا، إلا أن توقعات المستثمرين كانت تتوقع استمرار النمو بنفس الوتيرة، وهو ما لم يتحقق، مما أدى إلى تخارج بعض المستثمرين الذين رأوا أن المستقبل القريب قد لا يكون بنفس الإيجابية.
وأضاف أن التأخر في إطلاق “بلاك ويل” عن الموعد المعلن من قبل “إنفيديا” أثار شكوكًا بين حاملي الأسهم بشأن دقة مواعيد التسليم، مما أدى إلى فتور مشاعر بعض المستثمرين تجاه أداء الشركة. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن بعض العملاء الكبار مثل “أمازون” و”ألفابيت” و”آبل” يفكرون في إنتاج رقائقهم الخاصة، مما يضع علامة استفهام حول الانفراد والتميز الذي تمتعت به “إنفيديا” في حصتها السوقية خلال الفترات الماضية. هذه الشكوك، إلى جانب التساؤلات حول العائد على الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، زادت من حدة الترقب والضغوط على السهم.
واختتم محمد سعيد تصريحه قائلاً: “إنفيديا حققت إنجازات كبيرة على مدار عامي 2023 و2024، والارتفاع السريع في سعر السهم يستحق وقفة لالتقاط الأنفاس قبل مواصلة الصعود. وهذا ما يحدث حاليًا. ومن المحتمل أن يتجاوز السهم هذه الفترة القصيرة من الاستراحة ويعود إلى الصعود مجددًا، خاصة إذا تحسنت الظروف السوقية بعد تخفيف التقلبات السياسية وخفض أسعار الفائدة المتوقع. عندها، سيستعيد السوق زخمه، وستستأنف الشركة نموها مما يؤدي إلى انخفاض المضاعفات الربحية للسهم، وهو ما قد يعيد تقييمه إلى مستويات أكثر واقعية.
نتائج الأعمال
في الأسبوع الماضي، أعلنت شركة إنفيديا عن إيرادات بلغت 30 مليار دولار أميركي للربع المنتهي في يوليو، وهو ما يفوق توقعات وول ستريت المرتفعة بالفعل. كما ارتفعت إيرادات أعمال مراكز البيانات الخاصة بالشركة، والتي تشمل معالجات الذكاء الاصطناعي، بنسبة 154 بالمئة على أساس سنوي، مدعومة جزئيًا بعدد قليل من شركات الحوسبة السحابية والإنترنت العملاقة التي تشتري مليارات الدولارات من رقائق إنفيديا كل ربع سنة.
وقالت شركة إنفيديا إنها تتوقع نمو مبيعاتها بنسبة 80 بالمئة في الربع الحالي. ورأى بعض المستثمرين أن توقعات إنفيديا مخيبة للآمال، حيث أثرت لفترة وجيزة على شركات تصنيع الرقائق التي تزود الشركة بالذاكرة وأجزاء أخرى.
(نقلا عن سكاي نيوز)