الساحل الشمالي بمصر.. جنون أسعار “مخادع” للبحث عن السعادة مع فئة اجتماعية “راقية”
نمط العيش “الفاره” ليس مرتبطاً ببعض العلامات التجارية اللامعة فقط، وقد يتخطى إلى نمط استهلاكي لا يقبل بالأساس الأسعار الأقل. الأسباب متنوعة بين التشكيك في جودة الخدمات لمجرد أن سعر المنتج أو الخدمة عادل، فيما يراها البعض نوعاً من المفاخرة، تشعلها فيديوهات المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي بشأن أسعار السلع والخدمات في الساحل الشمالي في مصر.
“البعض يريد أن يخدع لمجرد الإحساس بأنه يعامل معاملة الأثرياء”. أنت لا تشتري “براند” أو علامة تجارية فاخرة للأزياء، ولكن تشتري وفقاً لشريحتك الاجتماعية التي تريد أن ينظر إليك الناس بها، حتى وإن كانت قنينة ماء محلية التعبئة.
فنجان من القهوة قد يكلفك 500 جنيه مصري، ويمكن أن تدفع فيه 70 جنيها لنفس الحجم والجودة، لكن الأمر يتوقف فقط على اسم المقهى الذي تشتري منه فنجانك.
عبدالرحمن محمد، أحد رواد الساحل الشمالي لديه وحدة سكنية داخل واحدة من أرقى المجتمعات السكنية في المنطقة، يقول إن الحياة في الساحل الشمالي تعتمد على نمط حياة مختلف تماماً، حيث تركز بشكل كبير على التباهي بمستوى الرفاهية والفخامة، حتى وإن لم يكن هناك توازن بين تكلفة المكان وجودة الخدمات المقدمة. هذا التوجه يظهر بوضوح في بعض المطاعم والمقاهي التي تقدم خدمات بأسعار مرتفعة جداً، وكذلك في أماكن التسوق التي تعتمد على إبراز المكانة الاجتماعية للمستهلكين بدلاً من تقديم جودة استثنائية أو خدمة متميزة.
وأضاف محمد لـ “العربية Business” أن الصورة النمطية للحياة في الساحل الشمالي على أنها حكر على الأغنياء والمترفين ليست دقيقة تماماً، فهناك الكثير من التنوع الذي يمكن أن يجده الزائر هناك.
على الرغم من ذلك، أحيانا يتطلب منك أن تلتزم بمظهر معين لكي تتناغم مع طبيعة المجتمع المحيط بك متناسياً راحتك في مقابل مظهرك، هكذا هو حال بعض الفئات في الساحل الشمالي المصري والمتعارف عليه على منصات التواصل الاجتماعي باسم “الساحل الشرير”.
بينما ترى بثينة عبدالله، مالكة لأحد الوحدات الفارهة في واحدة من أشهر التجمعات العمرانية بالساحل الشمالي، أن التباين الكبير في تكلفة المعيشة والخدمات في الساحل الشمالي يوفر بيئة متنوعة تمكن الجميع من العثور على ما يناسبهم، سواء كانوا يبحثون عن الرفاهية المطلقة أو يبحثون عن خيارات ميسورة التكلفة.
وعلقت، بلكنة يمكن التعرف بها عليها أنها من المالكين في الساحل، حيث يتم استخدام الكثير من الكلمات الإنجليزية، ولكن بلكنة تمدد بعض الأحرف: “الساحل غالي ويستحق”، مضيفةً أن الأسعار المرتفعة هي أيضاً انعكاس للطلب المتزايد على الخدمات الترفيهية المتنوعة المقترنة بالبحر، بالإضافة إلى مستوى الأمن والخصوصية الذي تتمتع به المجتمعات السكنية هناك”.
وبرأيها، فإن الاستثمار في الساحل الشمالي، رغم تكلفته العالية، يعد استثماراً في حياة راقية ومريحة. لذا، ترى أن ارتفاع الأسعار في الساحل ليس مبالغاً فيه، بل هو ثمن الحياة الفاخرة التي يطمح الكثيرون للعيش فيها.
من جانبها، قالت الدكتورة إيمان عبدالله، استشاري العلاج النفسي والأسري والرئيس التنفيذي لمؤسسة الإيمان للإرشاد النفسي، لـ “العربية Business” انتشار فيديوهات المشاهير التي توضح مدى رفاهية الحياة خاصة فيما يتعلق بالإجازات الصيفية على وسائل التواصل الاجتماعي له تأثير كبير على سلوكيات الأفراد من مختلف الطبقات الاجتماعية، سواء الأغنياء أو الفقراء، حيث تسهم منصات التواصل بشكل ملحوظ في تعزيز هذه التأثيرات وتشكيل التصورات الاجتماعية والاقتصادية.
وأضافت أن بعض الأشخاص ينفقون ببذخ للحفاظ على صورة اجتماعية تمنعهم من الاختلاط بالفئات الأقل دخلاً، ما يدفعهم إلى إنفاق مبالغ كبيرة للحفاظ على مكانتهم ولتحقيق نوع من الرضا الذاتي من خلال الصرف المبالغ فيه، مشيرةً إلى أن هؤلاء الأفراد يسعون لعرض أسلوب حياة معين عبر الصور والفيديوهات لإظهار امتلاكهم للمال والرفاهية، بدلاً من الاستمتاع الحقيقي بما يملكونه.
كما لفتت إلى أن بعض أفراد الطبقة المتوسطة يلجأون إلى الاستدانة لمحاكاة حياة الترف التي يرونها لدى الأغنياء والمشاهير، ما قد يؤدي إلى اضطرابات سلوكية تمنعهم من التمتع الحقيقي بالحياة.
وعلّق أحد الأشخاص الذين يمتلكون وحدة في الساحل الشمالي – فضل عدم ذكر اسمه -، أنه بات يفضل وجهات أخرى على شواطئ البحر الأحمر، هرباً من الضغوط التي يتعرض لها.
وقال “لم أعد أشعر بحرية اختيار اللباس الأكثر راحة، حيث أضطر خلال تواجدي في الساحل إلى محاكاة الزي وعادات الشراء، والعلامات التجارية، وضرورة أن تكون أسعارها لا تتماشى مع قيمتها”. مضيفاً “أحاول الهرب للعيش بحرية والاستمتاع والتركيز على سعادتي وليس افتعال السعادة”.