الدولار يستقبل عامه الـ235.. كيف هيمنت العملة الأمريكية على العالم؟
مائتان و35 عامًا مرت على اعتماد الدولار كعملة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية. تلك العملة التي تتحكم الآن في أغلب اقتصادات العالم.
ففي السادس من يوليو/تموز عام 1785 اجتمع المجلس القاري في نيويورك وأصدر الدولار ليكون العملة الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية.
ويحتفل مجلس الاحتياطي الفيدرالي كل عام بهذه المناسبة، لاسيما أن أبرز مهام البنك الفيدرالي هي إدارة الدولار، وهو العملة الرئيسية لبلاد العم سام لما يزيد عن مائتي عام.
والسؤال الآن كيف بدأ التفكير في عملة الدولار لتصبح العملة الرئيسية الأمريكية؟ وكيف تحولت العملة الخضراء لتكون العملة الرئيسية التي تهيمن على التعاملات والأسواق.
أصل القصة
في عام 1620 أبحرت سفينة تحمل اسم مافلاور من روثرهيت في شرق لندن إلى العالم الجديد وقتها “الولايات المتحدة الأمريكية”، وكان على متنها منشقين دينيًا يبحثون عن أرض جديدة عبر البحار، أخذ هولاء معهم في البداية ذهبا وعملات إنجليزية، لكنهم لم يكونوا من الأثرياء، وسرعان ما نفدت أموالهم.
أصبح هؤلاء المستوطنون الجدد عاجزين عن شراء الغذاء وجلود الحيوانات واحتياجات أخرى من السكان الأصليين للقارة الأمريكية.
وفقا لكتاب (العملة الخضراء: الدولار القوي واختراع أمريكا) للمؤلف جاسون جودوين فإنهم ذلك الوقت “لم يكن لديهم نقود عند وصولهم وأصبح التبادل أمرًا محرجًا بين المستعمرين أنفسهم، وبدأوا في استخدام المقايضة للتعايش، لكن بعد وقت قصير ظهرت تبادلات معقدة”.
واكتشف المستوطنون بعد وقت قصير من وصولهم أن أنواعًا معينة من الأصداف كانت ذات أهمية رمزية للكثير من السكان الأصليين، وبناء عليه أمكن تبادلها مع المستعمرين الإنجليز مقابل ما يحتاجونه من أشياء، مثل الغذاء.
كيف ظهر الدولار؟
وانتشر في المستعمرات الشمالية استخدام الذرة وأسماك القد في المقايضة، وفي المستعمرات الجنوبية كانوا يفضلون التبغ في المقايضة، ويقول جيسون جودوين أن قيمة التبغ كانت تتذبذب بناء على نجاح المحصول، وكانت هناك بعض المشكلات فيما يتعلق بالتبغ، وهى أن الأوراق كنت تخزن ثم يجري تداولها، وكانت تجف ما يسبب ارتباكًا لأن العملة تكون متدهورة للغاية، وفقًا لحالتها، وبالتالي تفقد قيمتها، واختلفت في ذلك الحين أسعار السع حال استخدام عملة مثل الذهب أو الفضة أو قطع النقود من نوع ما، بدلا من استخدام الأصداف.
لم يكن أمام المستعمرين الأوئل خيارات بديلة للمقايضة خاصة أن السلطات البريطانية رفضت السماح بتصدير النقود الذهبية والفضية، ورفض السماح للمستعمرين بسك عملاتهم الخاصة، فبالتالي كان عليهم استحدام العملات الإسبانية التي كانت تتداول وقتها في الولايات المتحدة، وحتى أوائل القرن التاسع عشر.
وفي نهاية المطاف، فإن التشدد التى اتبعته السلطات البريطانية والأعباء التى فرضتها على المستوطنين أدت لحدوث قطيعة كاملة مع الجانب البريطاني
وفي 1776 أصدر المستعمرون إعلان الاستقلال الشهير ونجحوا بعد حرب طويلة في إلحاق هزيمة بالقوات البريطانية في عام 1783، ما أدى لخلق 13 ولاية متحدة كانت تعيش فوضى مالية.
وفسر بنيامين فرانكلين أحد الأباء المؤسسين للثورة ضد بريطانيا ما حدث قائلا: “الكونغرس الأمريكي أصدر كمية كبيرة من الأوراق النقدية لدفع قيمة الملابس والسلاح وطعام الجنود وتجهيز السفن، دون دفع ضرائب لمدة ثلاث سنوات، لقد حاربوا وهزموا واحدة من أشد الأمم قوة في أوروبا.”
كانت الأوراق المالية تحمل اسم كونتننتالس، وسميت باسم المجلس القاري الذي كان مسؤولا عن إعلان الاستقلال، والذي كان يدير الحرب ضد بريطانيا، لكن مع انتهاء هذه الحرب أصبحت أوراق الكونتننتالس لا قيمة لها، وكان لزاما على الجمهورية الجديدة وضع نظام اقتصادي ومالي على نحو عاجل.
وفي عام 1785 اجتمع المجلس القاري في نيويورك وأصدر الدولار في السادس من يوليو/تموز لتكون عملة رسمية للولايات المتحدة الأمريكية الجديدة.
وقرر الكونغرس أن يكون النظام عشريًا ليعادل الدولار مئة سنتًا، غير أن خلافات دبت بين أعضاء الكونغرس أدت إلى تأخر سك العملة في أمريكا حتى عام 1792.
وبعد سبعين عاما تحديدا منتصف الحرب الأهلية في عام 1862 استطاعت وزارة الخزانة الأمريكية طبع أوراق الدولار باللونين الأسود والأخضر ليظهر الدولار في عالمنا.
كيف هيمن الدولار على العالم؟
في الفترة ما بين عامي 1946 و 1971 وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على استبدال الذهب بسعر ثابت يبلغ 35 دولارا للأونصة، ليتحول الدولار لعملة احتياطي وصرف في كافة دول العالم دون منازع، حيث تهافتت البنوك المركزية وقتها على الدولار لتكوين احتياطياتها، لاسيما أن ودائعه كانت مستقرة تمامًا مثل الذهب، فضلًا عن سهولة إداراتها وتحويلها من عملة لأخرى.
ووقتها ظهر أن الأمريكيين ينتجون ذهبًا عندما يطبعون بعض الدولارات.
وجاء بعد ذلك بنك فرنسا بشكل منهجي في عام 1965 وقام باستبدال كافة كميات الذهب لديه إلى دولار قبل أن تفاجئ أمريكا العالم في 15 أغسطس/آب 1971 دون تنسيق مسبق مع أي من حلفائها، بإنهاء التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب.
ومنذ عام 1973 الذي تميز بارتفاع شديد في أسعار النفط (المادة الخام التي تصدر فواتيرها بالدولار فقط)، ظهرت مشكلة الـ”بترودولار”، عندما أصبحت المبالغ الهائلة التي تنتجها أسواق الطاقة تستثمر كأولوية في الأسواق الأمريكية، ما وفر ميزة نسبية لاقتصاد الولايات المتحدة، وأدى إلى إحباط كبير بين شركائها الأوروبيين.
اليورو يحاول كسر الهيمنة
في عام 1999، تم إطلاق اليورو كعملة عالمية، لكنها لم تتمكن من تحدي عمق وسيولة أسواق نيويورك بسبب عدم وجود خزانة أوروبية موحدة. وبالتالي، فإن اليورو لم يتمكن من إزاحة الدولار عن مكانته كعملة احتياطية وصرف رئيسية في العالم.
وبشكل مفاجئ، أدت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلى تعزيز قيمة الدولار، على الرغم من أنها كانت نتيجة مسؤولية الولايات المتحدة بشكل أساسي. حتى أكد الرئيس باراك أوباما في مؤتمر صحفي عُقد في مارس/آذار 2009، أن الدولار سيظل العملة المهيمنة في التجارة العالمية والاحتياطيات، وذلك بناءً على أسباب سياسية وليست اقتصادية، حيث أشار إلى “استقرار وشفافية نظام الحكم في أمريكا” كأسباب لهيمنة الدولار.
يدرك الجميع كيفية عمل ميزانية الولايات المتحدة والاحتياطي الفيدرالي والنظام المالي. ومع ذلك، تظل النظم المالية الصينية غير شفافة.
وبالتالي، يظل الدولار هو الملاذ الآمن الأول الذي يلجأ إليه المستثمرون في حالات الأزمات المالية العالمية، حتى لو كانت تلك الأزمة بدأت في الولايات المتحدة، كما حدث في 2008-2009 عندما تم إعادة تقييم قيمة الدولار مقابل اليورو والين.
وحتى اليوم، يمثل الدولار 59% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية (بالمقارنة مع 72% في عام 1999).
على الرغم من ذلك، قام الأمريكيون بتحويل عملتهم إلى سلاح للضغط السياسي، وخلقوا -بشكل غير مقصود- حركة عالمية “لخلع الدولار الملك”.