الحرب في غزة: الجيش الإسرائيلي يواجه مشاكل كبيرة في تعبئة المزيد من الجنود
حذرت هيئة الأركان العامة الإسرائيلية من أن الجيش قد يواجه قريبا جدا مشاكل كبيرة في تعبئة قواته، فيما تتراكم خسائره بالحرب التي يشنها ضد حماس في غزة. لكن العثور على مزيد من الجنود يبقى مهمة صعبة خصوصا وسط تفاقم التوتر في المشهد السياسي الداخلي، بما في ذلك الصراع المعلن بين رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
تتراكم المشاكل بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي خصوصا بعد أن خسر مؤخرا ثمانية من أفراده إثر انفجار في رفح الأحد. الحادث الذي وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه “الأكثر دموية” منذ ستة أشهر.
ورغم أن البعض ينظر إلى عدد الضحايا في الجانب الإسرائيلي على أنه يبقى منخفضا في سياق الحرب بغزة مع مقتل نحو 37400 فلسطينيا، لكنه يظل في نظر الرأي العام الإسرائيلي مرتفعا للغاية.
وقبل أسبوع، تفاخرت حركة حماس بقتلها لعدد غير معلوم من الجنود الإسرائيليين إثر تفجير منزل مفخخ في رفح بجنوب قطاع غزة.
تأتي هذه الخسائر البشرية في صفوف القوات الإسرائيلية لتفاقم قناعة موجودة لدى هيئة الأركان العامة، التي رفعت من تحذيراتها خلال الأيام الأخيرة من مغبة عدم العثور على مزيد من الجنود لاستكمال الحرب ضد حماس بنفس الحدة والوتيرة.
يضاف إلى ذلك مشاكل أخرى تتعلق بانخراط الجيش أصلا بشكل كبير جدا على مستوى الجبهة السياسية الداخلية. حيث تدهورت علاقاته بشكل حاد مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذي انتقد علانية قرار هيئة الأركان العامة إقرار “استراحة تكتيكية” يوميا من الساعة 8 صباحا وحتى 7 مساء خلال العملية العسكرية بغزة “للسماح بزيادة حجم المساعدات الإنسانية” الموجهة إلى القطاع الفلسطيني.
كل هذا يأتي أيضا ليتراكم مع المعارضة العلنية المتزايدة من قبل جزء من الإسرائيليين، الذين صدمتهم الخسائر البشرية الفادحة للغاية في الجانب الفلسطيني بفعل الهجوم الإسرائيلي على غزة. حيث اندلعت مواجهات الإثنين بين الشرطة ومتظاهرين تجمعوا في القدس قرب مقر إقامة نتانياهو، احتجاجا على الطريقة التي تدار بها هذه الحرب.
تعقيبا، قال أهرون بريغمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة كينغز كوليدج في لندن متخصص في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إن “الحقيقة هي أنه وعقب ثمانية أشهر من هذه الحرب العنيفة، باتت القوات بكل بساطة منهكة. إنهم نفس الجنود، مع نفس المعدات، الذين يقاتلون طيلة كل هذا الوقت. تسعى هيئة الأركان العامة إلى ربح بعض الوقت بأي ثمن ليتمكن الجنود من الاستراحة وإعادة تنظيم صفوفهم”.
وحتى وإن كان الجيش الإسرائيلي لا يعلق بشكل رسمي على حالة الإرهاق التي تعاني منها وحداته، إلا أن الإشارات على ذلك موجودة وواضحة. في هذا السياق، يرى ستيفن فاغنر مؤرخ متخصص في الاستراتيجية العسكرية في الشرق الأوسط بجامعة برونيل في لندن، بأن “معدل تناوب الألوية والكتائب هو أسرع من ذي قبل”. بعبارة أخرى: يحتاج الجنود في كثير من الأحيان إلى الراحة.
يرى الخبراء الذين حاورناهم بأن هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والعنف الذي قررت حكومة بنيامين نتانياهو الرد به وحجمه الهائل، يتطلب التزاما على المدى الطويل، فقد كان قرار الحرب مباغتا بالنسبة إلى هذا “الجيش الصغير جدا” والذي يقع على عاتقه الآن إنجاز هذه المهمة الكبيرة، وفق ما يؤكد أهرون بريغمان من جهته. فبالنسبة لهذا الخبير، يظن صنّاع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية بأن عصر الحروب الإقليمية الكبرى، مثل حرب الستة أيام عام 1967 أو حرب يوم الغفران في 1973، قد ولّى. وبالمحصلة، فقد “قام الجيش على مدار السنوات العشرين الماضية بحلّ ست فرق، وبات اليوم يفتقد لقرابة فرقتين كاملتين، أي ما يعادل 10 آلاف جندي إضافي”، حسبما يوضح بريغمان.
كذلك، تزداد الأوضاع تعقيدا بالنسبة إلى الإسرائيليين بسبب “الاشتباكات التي تتكرر بشكل أكبر مع حزب الله على الحدود الشمالية، بين إسرائيل ولبنان”، حسبما تؤكد إذاعة “إن بي آر” العامة الأمريكية. وفق بريغمان، فإن تمدد الحرب إلى الشمال “سيكون كارثيا بالنظر إلى الوضع الحالي للبنان وإسرائيل” على حد سواء.
بدوره، يقول عمري برينر محلل إسرائيلي متخصص في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط بالفريق الدولي لدراسات الأمن (ITSS) في فيرونا الإيطالية، وهو مجموعة دولية من الخبراء في قضايا الأمن الدولي: “من ناحية المعدات بما فيها الدبابات والصواريخ والذخائر، يمكن لإسرائيل أن تتأقلم، لكن حربا مفتوحة مع حزب الله من شأنها أن تطيل أمد الصراع، وهو أمر صعب للغاية من جهة عديد القوات والروح المعنوية لديها”.
يضيف برينر بأن الجيش الإسرائيلي يعلم جيدا أنه “ليس مستعدا لمثل هذا الالتزام”. وقد بات يخشى من الحرب المفتوحة مع حزب الله أكثر من أي وقت مضى، لأنه إذا ما صمدت هذه الميليشيا المسلحة الموالية لإيران، “فسيكون ذلك كارثيا بالنسبة لإسرائيل من الناحية السياسية”، وفق تقديرات ستيفن فاغنر.
من ثمة، فإن الأولوية الحالية بالنسبة إلى وزير الدفاع وهو قائد القوات المسلحة في إسرائيل، هي زيادة عديد القوات العاملة. يشير عمري برينر في هذا الصدد إلى أن “الحل الأبسط هو تعبئة اليهود المتشددين (الحريديم)، لكن هذا الأمر ينطوي على كثير من الحساسية من الناحية السياسية بالنسبة لبنيامين نتانياهو”. ولا يمكن الاستهانة بهذه المساهمة في الجيش، لأن أكثر من 60 ألف متدين كانوا طلبوا في 2023 الحصول على الإعفاء من الخدمة العسكرية، وهو ما يحق لهم بموجب القانون الإسرائيلي.
لكن هذه الخطوة تنطوي على مخاطر كبيرة بالنسبة إلى نتانياهو، حيث إن المساس بهذا الامتياز قد يؤدي إلى تنفير الأحزاب الدينية المتطرفة واليمين المتطرف، والتي تشكل حاليا الدعم الرئيسي لحكومته.
ينبغي إذا العثور على حل آخر. في إطار هذا المسعى، تتحضر الحكومة لإقرار قانون جديد يمدد فترة تعبئة جنود الاحتياط لعام واحد. كما سيتم رفع “سن تقاعد” قوات الاحتياط من 40 إلى 41 عاما بالنسبة إلى الجنود، ومن 45 إلى 46 عاما للضباط.
يشرح ستيفن فاغنر: “هي بكل وضوح محاولة لتحسين مسألة تناوب القوات بهدف تقليل حالة الإرهاق. لكن هي أيضا إجراء لن يؤدي إلى تحسين الحالة العامة للقوات، حيث سيتوجب على أشخاص أكبر سنا القيام بدوريات في المناطق شديدة الخطورة المناطق”.
وحتى في حال تمكن الجيش الإسرائيلي من إيجاد الموارد اللازمة لزيادة عديد قواته بشكل كاف، فإنه سيواجه مع ذلك “مشاكل في القيادة الاستراتيجية على أعلى المستويات”، وفق ما يلحظ عمري برينر.
وجاء قرار نتانياهو الإثنين بحلّ حكومة الحرب، ليضع جيشه في عمى استراتيجي. ويشرح عمري برينر في هذا الصدد: “يخضع بنيامين نتانياهو لضغوط كبيرة من حلفائه في اليمين وهو يفتقر إلى مساحة للمناورة من أجل اتخاذ قرارات محددة [مثل مسألة تعبئة المتدينين المتطرفين]”. وكان بإمكانه الاعتماد مباشرة على دعم وزير دفاعه يوآف غالانت، لكن “نحن في وضع غير مسبوق: الرجلان [كلاهما عضو في حزب الليكود] يكرهان بعضهما بشدة وهما مستعدان حتى للانقضاض على بعضهما البعض في أي فرصة سانحة”، وفق ما يوضح ستيفن واغنر.
تضاف هذه المعضلة إلى المصاعب التي تواجه أصلا جيشا يبحث عن مزيد من الجنود وخصوصا عن وجهة ومسار واضحين، وفق ما يرى الخبراء الذين حاورتهم فرانس24، مؤكدين على أن الجيش الإسرائيلي “لا يزال قادرا على الاستمرار على هذه الوتيرة لبضعة أشهر، لكن ليس لفترة أطول بكثير”. من جانبه، يخلص أهرون بريغمان إلى القول: “يؤكد هذا ببساطة بأن أهداف تدمير حماس عسكريا بالكامل وإطلاق سراح كافة الرهائن لا يمكن تحقيقها في ظل الوضع الحالي للقوات الإسرائيلية”.