اقتصاد وبورصة

مجموعة أزمات تهدّد الأمن القومي المصري مع تصاعد الضغوط الاقتصادية ضغوط

صوت المصريين - The voice of Egyptians

وضع اقتصادي ضاغط يكاد يعصف بالطبقات الأفقر من الشعب المصري، مهدداً بإثارة اضطرابات. ويفاقم هذا الوضع «حزام أزمات» إقليمية ودولية يحيط بالبلاد، معززاً مخاطر تحديات سياسية وجيوسياسية باتت تهدد مقومات الأمن القومي، وتضيف أعباء على كاهل الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي فاز، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بولاية رئاسية جديدة تمتد حتى 2030. وفي ظل حراك دبلوماسي حثيث للسيطرة على الأزمات الإقليمية، من حرب غزة إلى صراع في السودان وانعدام الاستقرار في ليبيا، تواجه مصر مطالب بتنفيذ إصلاحات هيكلية للاقتصاد مقابل قرض صندوق النقد الدولي. وأيضاً تقف القاهرة في مواجهة وضع مضطرب على الأصعدة كافة، يدفعها لوضع خطط قصيرة وطويلة الأجل أملاً في تحجيم تداعيات الأزمة الاقتصادية، وسط مساع حكومية لتوسيع قاعدتها الشعبية والسياسية عبر برامج حماية اجتماعية لمساعدة الفئات الأكثر فقراً، و«حوار وطني» يستهدف إعادة لُحمة التحالفات السياسية التي قادت الحراك ضد حكم «الإخوان» في30 يونيو (حزيران) 2013.

وثيقة «طموحة ومحكمة» أطلقتها الحكومة خلال الأسبوع الماضي، هي عبارة عن توجهات استراتيجية مقترحة للاقتصاد المصري (2024 – 2030)، ترسم أولويات التحرك على صعيد السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة خلال السنوات الست المقبلة.

تضمنت الوثيقة الجديدة، التي أعدها «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» بمجلس الوزراء، 8 استراتيجيات تستهدف في مجملها تحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام ومتوازن، تتراوح نسبته ما بين 6 و8 في المائة، مع العمل على توفير ما بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل، وتحقيق مستهدفات للنقد الأجنبي بقيمة 300 مليار دولار بنهاية 2030، ما يمثل ثلاثة أضعاف المستويات الحالية.

ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد «تشاتام هاوس» بالعاصمة البريطانية لندن، يصف الوثيقة بأنها «طموحة… لكن السؤال الرئيسي هو عن مدى واقعية أهدافها»، وفق الباحث باتر.

وحقاً، أوضح باتر في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «الوثيقة تعتمد على بعض الاتجاهات الأكثر إيجابية في الفترة الأخيرة، من زيادة معدل الصادرات، وتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، وانتعاش السياحة، وارتفاع إيرادات قناة السويس في الفترة ما قبل التهديدات الأمنية في البحر الأحمر». ويضيف: «سبق أن وضعت حكومات مصر السابقة خططاً مماثلة، لم يكتب لها النجاح لأسباب مختلفة؛ بعضها خارجي وبعضها يتعلق بالمعوقات ونقاط الضعف داخل النظام المصري».

أما الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري ومدير برنامج الشرق الأوسط بوقفية كارنيغي للسلام العالمي، فيرى خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، أن الوثيقة الاستراتيجية تتضمن «رؤية مُحكمة وجيدة»، لكنه أشار إلى أنه «على مستوى أكثر عمقاً، يكمن الحل في وثيقة أخرى هي (سياسة ملكية الدولة)»، التي عدها حمزاوي «وثيقة حاكمة».

مع نهاية عام 2022 أطلقت الحكومة المصرية «وثيقة سياسة ملكية الدولة»، وقالت يومذاك إنها «تأتي تأكيداً لحرصها على مشاركة أكبر للقطاع الخاص في توليد النمو الاقتصادي، وتتضمن منهجية تخارج الدولة من بعض الأصول المملوكة لها»، أو ما يعرف شعبياً باسم «الخصخصة» أي بيع شركات الدولة للقطاع الخاص. وهذا ما بدأت الحكومة في تنفيذه بخطى «بطيئة» إلى حد ما، بحسب مراقبين.

وضعت «سياسة ملكية الدولة» الخطوط العريضة لتخارج الدولة والمؤسسات العامة من بعض القطاعات الاقتصادية، وهو أمر «ضروري»، على حد تعبير حمزاوي، الذي يؤمن بـ«ضرورة أن يتولى القطاع الخاص قيادة التنمية».

ومن ثَمّ، يشير حمزاوي – وهو أيضاً باحث بجامعة ستانفورد الأميركية – إلى ما وصفه بـ«التجربة التنموية التي بدأتها مصر منذ سنوات وحققت من خلالها إنجازات في مجالات البنى التحتية والمرافق الأساسية ومشروعات التشغيل العملاقة وشبكات الضمان الاجتماعي». ويلفت إلى أن «تلك التجربة دخلت في الوقت نفسه في أزمات اقتصادية مالية كثيرة انعكست على الأوضاع المعيشية، عبر معدلات تضخم غير مسبوقة، وإن لم تؤد إلى تدهور نسبة الفقر بشكل كبير»، وترافق ذلك مع «أزمة الاستدانة الخارجية الكبيرة التي تثقل كاهل الموازنة العامة للدولة»، بحسب حمزاوي.

اقتصاد ريعي

هذه الأزمات لا تنكرها الدولة. بل خلال العامين الماضيين تحدث مسؤولون مصريون، عن الوضع الاقتصادي «الصعب»، وتعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في وقت سابق، بأن بلاده «ستعبر الأزمة»، معوّلاً على «صبر المصريين» في تحمل الضغوط الاقتصادية.

كذلك، تتعرض الحكومة المصرية لانتقادات عدة بسبب سياسة الاقتراض، التي فاقمت ديون البلاد الخارجية؛ حيث تنفق الحكومة أكثر من 40 في المائة من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون. ويتجاوز حجم الديون الخارجية على البلاد 160 مليار دولار، وهو رقم تضاعف أكثر من مرة على مدار العقد الماضي، إذ كان يقدر بـ40 مليار دولار قبل نحو10 سنوات.

وفقاً لحمزاوي، فإن مواجهة الأزمة الاقتصادية «تستلزم الاهتمام بالتصنيع»، وهذا «أمر يشهد توافقاً بين الحكومة والقوى السياسية؛ حيث لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على موارد ريعية تتأثر بأوضاع إقليمية ودولية صعبة جداً؛ مثل السياحة وقناة السويس». وهنا يشير الباحث المصري إلى «فرص واعدة في مجال التصنيع الزراعي، والاقتصاد الأخضر»، وإلى أن الاقتصاد المصري يحتاج إلى «إعادة ضبط الدفة» على مستويين: التصنيع، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، لا سيما أن «أي إعادة هيكلة اقتصادية تستتبعها أزمات مالية واقتصادية تؤثر على المجتمع»، وفقاً لحمزاوي.

يتفق الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مع هذا الكلام، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن جانباً من الأزمة الاقتصادية يعود إلى «إهمال القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة»، ما حول البلاد إلى الاعتماد على «الاقتصاد الريعي لتصبح المصادر الأساسية للنقد الأجنبي هي تحويلات المصريين في الخارج والسياحة وقناة السويس، ما يعني أنه اقتصاد يعيش على جغرافيا المنطقة وتاريخ البلاد».

وبالفعل، تتضمن الوثيقة الاستراتيجية الإشارة إلى دعم القطاعات الاقتصادية القائدة لنهضة الدولة، وتسريع وتيرة الانتقال إلى تقنيات الثورات الصناعية، والتحرك بخطى مستدامة نحو الاقتصاد الأخضر. وكذلك تعوّل مصر على الوثيقة لمواصلة كل المكتسبات المحقّقة على صعيد القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها التعليم والصحة، تزامناً مع تحسين مستويات المعيشة، وتفعيل وتعظيم الدور الاقتصادي لقناة السويس، وتعزيز تجارة الترانزيت، فضلاً عن الدور الفاعل للمصريين بالخارج، بحسب إفادة رسمية.

تداعيات الأزمة العالمية

دائماً ما ترجع مصر أزمتها الاقتصادية إلى تداعيات الأزمة العالمية المرتبطة بالحرب الروسية – الأوكرانية، وقبلها جائحة «كوفيد – 19»، ثم الحروب الدائرة في المنطقة وآخرها حرب غزة. لكن الدكتور السيد أرجع «جزءاً من الأزمة لطبيعة النظام السياسي المصري». ولفت إلى أن السبيل لمواجهتها «يكون عبر إصلاحات تسمح بالتعددية، وتضمن استقلال الحكومة والاعتماد على مستشارين في عملية صناعة القرار».

وبينما تطرّق البنك الدولي، في تقرير صدر مؤخراً، إلى أن «مصر كانت تواجه تحديات اقتصادية منذ فترة طويلة»، فإنه أوضح أن «تلك التحديات تقاطعت مع صدمات عالمية متعددة تسببت في تضخم تاريخي في البلاد»، وأشار إلى «تحديات عدّة على المستوى المحلي، من بينها؛ تباطؤ الصادرات غير النفطية والاستثمار الأجنبي المباشر، وتقييد نشاط القطاع الخاص، فضلاً عن ارتفاع الدين الحكومي»، في بلد يتجاوز تعداد سكانه 105 ملايين نسمة، يعيش 30 في المائة منهم تحت خط الفقر الوطني، وفقاً للتقديرات الرسمية لعام 2019.

وعلى ما يبدو فإن الدولة مُدركة لأهمية فتح مجال للحوار والاستماع للخبراء، إذ أعلنت الحكومة اعتزامها إطلاق استراتيجية «للحوارات الوطنية» خلال الشهرين المقبلين، لمناقشة المواضيع التي تضمّنتها الوثيقة الاستراتيجية. ولقد عدّ رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي مشاركة الخبراء في رسم السياسات العامة «أمراً حيوياً لا غنى عنه».

تهديد الأمن القومي

التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر باتت معروفة جيداً ما بين ارتفاع مستويات الفقر، والتضخم، والدين العام، والديون الخارجية، والاختلالات الهيكلية الناجمة عن مشاركة الدولة في الاقتصاد الإنتاجي، وفقاً للباحث باتر في معهد «تشاتام هاوس» بلندن. لكن الأخير يشير إلى تحديات أخرى جيوسياسية مثل التهديدات الأمنية في البحر الأحمر التي «تؤثر على قناة السويس وربما السياحة»، وسد النهضة الإثيوبي «الذي لم يتسبب في مشكلات خطيرة حتى الآن، لكن ربما يحدث ذلك مع تراجع معدل هطول الأمطار على النيل الأزرق».

هذا، وخلال الشهر الماضي أعلنت شركات شحن كبرى وقف رحلاتها عبر قناة السويس المصرية خشية هجمات «جماعة الحوثي» على السفن المارة في البحر الأحمر. وحتى الآن تقول مصر إن «قناة السويس لم تتأثر بتداعيات تلك الهجمات»، لكن مراقبين يرجحون تأثرها إذا استمر الوضع لفترة أطول، ما يستتبعه تأثير كبير على اقتصاد الدولة التي تعد القناة أحد موارده الرئيسية.

ولا تقل التحديات السياسية خطورة عن الأزمة الاقتصادية. ففي محاولة لاستعادة لُحمة القوى السياسية على الصعيد المحلي، دعا الرئيس المصري في أبريل (نيسان) عام 2022 إلى إجراء حوار وطني شاركت فيه قوى مدنية وسياسية عدة واستمر حتى قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وعدّه خبراء «مؤشراً على انفتاح سياسي». ووفقاً لحمزاوي، فإن آلية الحوار الوطني «نقلت البلاد من غياب الحياة السياسية إلى هندسة تدريجية لانفتاح سياسي… إلا أن البلاد لم تصل بعد لانفتاح كامل وإن انطلقت خطوات تمهيدية على طريق الإصلاح التدريجي».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى