الحكومة المصرية تفرض سيطرتها على الفضاء الديني قبل رمضان
استبقت وزارة الأوقاف المصرية التيار السلفي بخطوات وقررت ملء الفراغ الحاصل داخل المساجد بالأئمة والوعاظ والمفتين والدعاة استعدادا لشهر رمضان، وهي فترة اعتاد فيها السلفيون أن ينتشروا داخل دور العبادة للهيمنة عليها وتحقيق المزيد من التقارب مع الشارع خلال أيام الصيام بالتزامن مع زيادة أعداد المصلين والمعتكفين بها.
وأعلنت وزارة الأوقاف عن التنسيق مع مؤسسة الأزهر لاختيار أربعة آلاف شخصية دينية وسطية للاستعانة بها في المساجد خلال شهر رمضان، ضمن خطة موسعة تستهدف سد احتياجات المصلين والمعتكفين من الصلاة والإمامة والخطابة والتهجد والاعتكاف، بما يمنع استغلال أيّ من أصحاب العقول المتطرفة للقفز على المشهد.
وبينما روّج متشددون أن الخطة تهدف إلى التضييق على المساجد، سمحت وزارة الأوقاف بالاعتكاف والتهجد دون سقف زمني شريطة أن يكون ذلك من خلال متابعة الأئمة والدعاة الذين سيتم اختيارهم، وعدم ترك الساحة أمام السلفيين للتحكم في الاعتكاف وطقوسه، حيث اعتادوا تجميع الناس حولهم طوال فترة الصيام وقيادة تحركاتهم في بعض المساجد.
رسميًا.. الحد الأقصى للتحويل من محفظة فودافون كاش ورسوم السحب والإيداع (تفاصيل)
وتتعامل وزارة الأوقاف في مصر مع التهجد والاعتكاف داخل المساجد بحساسية مفرطة خشية استغلالهما سياسيا من جانب تيارات متشددة تحرض الناس ضد الحكومة أو تسعى لتحقيق مصالح مشبوهة وتزرع في عقولهم أفكارا مغلوطة، ثم قررت إفساح المجال أمام الراغبين في البقاء داخل المساجد تحت أعين رجالها المختارين للمهمة.
وتعاني الكثير من المساجد المصرية من نقص واضح في الأئمة والدعاة، وهذه كانت ثغرة استثمرها سلفيون للقيام بدور موازٍ للدور الذي يقوم به الإمام الرسمي في المساجد، كنوع من التمرد على احتكار السلطة لإدارة الملف الديني وما ترتب عليه من إقصاء الإسلاميين من المشهد الدعوي بصورة رسمية.
وأدركت وزارة الأوقاف أن استمرار تلك الثغرة خلال شهر رمضان مجازفة، ما دفعها إلى التنسيق مع الأزهر ودار الإفتاء من أجل سد نقص عدد الأئمة والدعاة والوعاظ والمفتين لقطع الطريق على المتشددين فكريا ومنع توظيف نقص العمالة في تحقيق مآرب خاصة مع امتلاء المساجد بالمصلين في شهر رمضان، ما يجعل بعضها خارج السيطرة.
وتقرر التوسع في جلسات الفتوى اليومية بالمساجد من خلال رجال دين وسطيين جرى انتقاؤهم بعناية لإحكام السيطرة على الخطاب الديني وانتزاع ورقة مهمة من السلفيين بعد أن تم توفير رجال مختصين بالفتوى ومدربين على تلك المهمة، ويمكن لهم التعامل مع الجمهور بحكمة وعقلانية لقطع الطريق على المفتين العشوائيين.
“إلكترولكس” تتراجع عن قرار تخارجها من السوق المصري
ومعروف أن المساجد المصرية تتحول إلى ساحة للفتوى في رمضان مع زيادة أعداد من يستفسرون عن الجوانب الدينية والتعاملات اليومية بمستوى يزيد عن الأيام العادية، واعتاد بعض شيوخ التيار السلفي استغلالها أمام تجاهل وزارة الأوقاف تثبيت أعداد من المفتين في المساجد، وكان البديل أمام الناس اللجوء إلى سلفيين.
ونادرا ما يتم غلق المساجد في مصر خلال أيام الصيام، وهناك من يقيمون بها لقراءة القرآن والتعبد والصلاة، ولا ترغب الحكومة في استفزاز الناس بغلقها وفتحها أثناء الصلاة فقط، كما كانت تفعل من قبل، وتسبب ذلك في غضب واسع بين المواطنين، لذلك ضاعفت المؤسسات الدينية عدد الأئمة والدعاة للبقاء في المساجد طوال الوقت.
ولم تغفل وزارة الأوقاف مساجد السيدات، وأعلنت أنها قررت الاستعانة بأعداد كبيرة من الواعظات للتواجد بها، وتقديم الفتاوى النسوية لتجنب قفز نساء التيارات الإسلامية على المشهد وتكرار ما حدث من قبل بالتركيز على الفتيات والأمهات اللاتي يذهبن إلى الصلاة في مساجد السيدات والإجابة على تساؤلاتهن واستقطابهن بخطاب ديني عاطفي.
وتظل الفتوى من أقوى أسلحة الإسلاميين لمناكفة الحكومة التي تجاهد لإقصائهم من المشهد الدعوي كليا، سواء أكانوا رجالا أم سيدات، لكن تلك الشريحة لا تتقبل فكرة الابتعاد عن ممارسة هواية الدعوة البديلة عن المؤسسات الدينية الرسمية، وفي كل عام يصبح رمضان فرصة ثمينة لهم لإعادة ترميم قواعدهم واستقطاب الناس إليهم.
وأكدت تحركات وزارة الأوقاف أنها قررت عدم ترك أي ثغرة ينفذ منها المتشددون، وهو ما يظهر في إحكام القبضة على مراكز تحفيظ القرآن داخل المساجد لمنع استمالة الأطفال والمراهقين والشباب إلى أي تيار متطرف بذريعة تحفيظهم القرآن، لأن تلك الجلسات تتحول إلى خطب دينية موجهة تعتمد على نشر أفكار ومعتقدات المُحفّظ.
وشملت الخطة زيادة أعداد جلسات تحفيظ القرآن في دور العبادة والساحات التابعة لها من خلال شخصيات دينية وسطية متخصصة في هذا المجال، وتنتمي إلى وزارة الأوقاف أو الأزهر، بعد خضوعها لاختبارات فكرية وسلوكية، والتحري المسبق عن أفكارها، بحيث تكون جلسات تحفيظ القرآن مؤمّنة ضد تسلل أي عنصر متشدد.
وتعد السيطرة على المساجد خلال شهر رمضان خطوة مهمة لغلق أي باب ينفذ منه السلفيون، ويظل التحدي الحقيقي لنجاح تلك الخطة مرتبطا بوجود مساحة حركة للدعاة والوعاظ والمفتين وعدم محاصرتهم بقائمة محظورات، كأن يُمنعوا من التطرق إلى قضايا جدلية أو موضوعات شائكة، لأن ذلك يصب في صالح تيارات إسلامية أخرى.
وقال الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي سامح عيد إن سد نقص عدد الأئمة والدعاة والمفتين خلال شهر رمضان هو انتكاسة للمتشددين، ويتطلب ذلك الاستدامة وعدم وجود أي ثغرة ينفذون منها، وتظل العبرة في الوصول إلى المساجد الموجودة في المناطق الحدودية والريفية وذات الكثافة الشعبية وليس التركيز على المساجد الكبرى في المدن والأحياء فقط.
وأضاف عيد في تصريحات لـ”العرب” أن شهر رمضان موسم للسلفيين لاستقطاب الناس بطرق مختلفة، بالفتوى أو التهجد أو جلسات تحفيظ القرآن، وغالبا ما يعتمدون على الخطاب الذي يدغدغ المشاعر، لذلك يجب أن يكون المكلفون بتلك المهمة على قدر عالٍ من التدريب والتأهيل والوسطية والمرونة في تناول القضايا.
تابعونا لمزيد من التغطيات الحصرية والمحتوي المتنوع عبر أقسامنا المتجددة، حيث نقدم لكم أحدث أخبار وتقارير علي مدار الـ24 ساعة، وأحدث أخبار مصر و اقتصاد وبنوك وبورصة إلي جانب تغطية حصرية من خلال سفارات وجاليات ، وتغطية شاملة للتطوير العقاري من خلال قسم عقارات ونتشارك في الترويج للسياحة والآثار المصرية من خلال قسم سياحة وآثار ، إضافة لأخبار خاصة في قسم ثقافة وفنون و علوم وتكنولوجيا ومنوعات ، كما نولي اهتمام خاص بـ الرياضة و المرأة ونقدم لكم كل يهم التعليم والطلاب من خلال أخبار الجامعات .