بقلم : د.محمد العدوى
الفن الشعبي هو مرآة الحياة الاجتماعية خاصة في البيئة المحلية لأنه نابع من وجدان الناس ومرتبط بالموروث الثقافي والعادات والتقاليد .. وفي طول البلاد وعرضها سوف نلحظ أن كل منطقة صنعت لها الفن الخاص بها من أول النوبة والصعيد جنوبا إلى الإسكندرية والدلتا شمالا ومن سيناء والقناة شرقا إلى الواحات ومطروح غربا .. ما بين السامر السيناوي والأغاني النوبية وزفة العروسين في أفراح الفلاحين وموسيقى السمسمية وشاعر الربابة والإنشاد الصوفي ورقصة التحطيب والحجالة والبمبوطية والبورمية السيوية والتنورة..
ويعد زكريا الحجاوي من أهم رواد البحث في هذا الفرع من الفنون من خلال مؤلفه الكبير (موسوعة التراث الشعبي) وكذلك دوره في تقديم ذلك التراث من خلال الصحافة والتليفزيون وذلك بعد أن قام بعمل مسح شامل للقطر المصري لجمع الفنون الشعبية من مصادرها .. وقد سار على دربه عدد كبير من المبدعين مثل فاروق خورشيد الذي كتب سيرة سيف بن ذي يزن وعلي الزيبق والأميرة ذات الهمة وكذلك الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي الذي كتب السيرة الهلالية بعد أن قام بجمعها من أفواه شعراء الربابة ..
والسير الشعبية هي انعكاس للوجدان الجمعي للبسطاء الذين أضفوا هالات من البطولة على شخصيات تشبههم في نمط الحياة والمعيشة .. ولا بد أننا جميعا سمعنا بعضا من حكايات أيوب وناعسة وشفيقة ومتولي وياسين وبهية وحسن ونعيمة وأدهم الشرقاوي وخضرة الشريفة .. أو ربما صادفتنا في الإذاعة أو على اليوتيوب بعض أغاني محمد طه وأبو دراع وخضرة محمد خضر وجمالات شيحة .. لكن من المؤكد أننا سمعنا جميعا فاطمة عيد وهي تغني (سلمولي عليه) وكذلك الريس متقال وهو يغني على الربابة أغنيته الشهيرة (الفراولة) ..
وهذا التراث الشعبي كنز من كنوز مصر الثقافية والمعرفية لأنه يحكي جزءا غير مدون في تاريخ البلاد بعيدا عن السجلات الرسمية والتأثيرات الفوقية فهو من الناس وللناس ولهذا فهو ينال الحظوة وينعم بالشعبية وينتقل من جيل إلى جيل .. وأهم من ذلك كله أنه علامة دالة على التعددية الثقافية والاجتماعية في ربوع البلاد حيث إنه مرتبط بالبيئة المحلية وتراثها الحي وطقوسها اليومية ولهجاتها الدارجة .. أما التأثير الوجداني فهو يفوق أي شيء آخر لأنه يتمتع بالبساطة في التعبير والبلاغة في الأداء ولأنه أصدق عاطفة وأقوم قيلا ..