بقلم : د.محمد العدوى
الرواية عالم ساحر لا يشعر به إلا من غاص في بحره العميق .. وكل روائي له عالم خاص به لا تدركه إلا بعد أن يفتح لك الباب وتتجول في صفحات كتاباته وتتنقل بين شخوصه وأحداثه .. وعندما تقرع باب نجيب محفوظ فإنك على الفور تدخل بقدمك مباشرة إلى الحارة المصرية وإن شئت الدقة القاهرة القديمة في القرون الثلاثة الأخيرة .. سوف تجد نفسك تسير في شارع بين القصرين حيث منزل السيد أحمد عبد الجواد ووكالات التجار وليالي الأنس والطرب وأحداث ثورة 19 ضد الانجليز ..
وربما يأخذك المسير إلى زقاق المدق حيث المقهى الشعبي والجيران الفضوليين والفتاة الساذجة البريئة حميدة وتقلب الزمن بها .. وسوف يكون عليك أن تحذر تلك المعارك الشرسة بين الفتوات خاصة المعلم الديناري والمعلم الشبلي والتي ضاع فيها الفتى (شطا) في إحدى قصص مجموعة (الشيطان يعظ) .. وقد يسعدك الحظ بالجلوس أمام المتصوف الجليل ذي الماضي الغامض في (حكاية بلا بداية ولا نهاية) حيث تجد هناك خليطا من الفلسفة والدين وأحداث الماضي والمستقبل ..
وإذا أخذك المسير إلى آخر الحارة فسوف تشاهد بيت الجبلاوي في (أولاد حارتنا) حيث الصراع بين أبناء أدهم وأبناء إدريس والأبطال الثلاثة جبل ورافع وقاسم (وهي رموز الديانات الثلاث التي أثارت الجدل حول الرواية) .. أما (حكايات حارتنا) فهي ترصد جزءا من السيرة الذاتية للمؤلف عندما يجعل الراوي طفلا صغيرا حيث التكية محور الأحداث .. أما في (حديث الصباح والمساء) فسوف تر الأبطال وهم يولدون ثم يموتون كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية أو ضحاها ..
ربما مررت على مقهى (قشتمر) حيث الأصدقاء الأربعة الذين فرقتهم الأحداث وتقدم بهم العمر لكن تربطهم جلسة المقهى .. وسوف تجد تناقضات الحياة أمام عينك حيث هناك محجوب عبد الدايم الموظف الذي لديه استعداد لعمل أي شيء في (القاهرة الجديدة) وهناك أيضا محمد حامد المحامي الذي يدخل المعتقل بسبب انتمائه للإخوان في (الباقي من الزمن ساعة) وهناك أيضا عثمان بيومي الموظف المثالي الكادح الذي يسعى للترقي في قسم المحفوظات في رواية (حضرة المحترم) ..
لكن كل ما مضى من أعمال لا تعدل أهم رواية في عالم نجيب محفوظ وهي (ملحمة الحرافيش) حيث عشرة أجيال من عائلة عاشور الناجي تقلبت فيها أحوالهم ما بين العز والذل حيث امتلاك الفتونة ثم ضياعها وعودتها في صراع بين أولاد الأصول والغوغاء .. حكايات شمس الدين الناجي وسليمان وسماحة ووحيد وعزيز وزهيرة وجلال صاحب الجلالة وفتح الباب وأخيرا الإخوة فايز وضياء وعاشور الذي يستعيد تاريخ جده الكبير ويهتف له الحرافيش : (اسم الله عليه .. اسم الله عليه) ..