الدكتور زاهي حواس يرتدي ثوب الروائي في رواية خوفو وذات العيون الذهبية
بعد أن قدَّم للعالم الحضارة المصرية في أعظم تجلياتها، عبر مقالاته وأسفاره ومشاركاته الدولية ولقاءاته الإعلامية ها هو الدكتور زاهي حواس يخلع معطف عالم الآثار ويرتدي، للمرة الأولى، معطف الروائي، حيث أصدرت الدارُ المصرية اللبنانية روايته “خوفو وذات العيون الذهبية” بمشاركة فيرنيك فيرنوي، وقد ترجمتها عن الفرنسية الدكتورة نادية شامة.
يصحبُنا الدكتور زاهي وفيرنيك في رحلة مثيرة إلى الماضي، إلى عصر الملك العظيم خوفو، بلغةٍ سلسلةٍ ورائعةٍ وبوصفٍ شيِّقٍ ومثيرٍ لنعرف كيف عاش خوفو صباه وشبابه، حيث كان يطيب له الخروج إلى الشوارع وارتياد الحانات، متخفِّياً في هيئة رجل عادي، لا تحيط به مظاهر الأُبَّهة، ليعرف ماذا يقول الناس عن أبيه العظيم الملك سنفرو، وكيف يروون القصص بمبالغاتٍ عن حياة القصر ودهاليز الحُكم ومحظيات الحريم.
تُطلِعُنا الرواية على علاقة خوفو بأبيه الملك سنفرو وكيف نقل إليه تعاليمه وعلى رأسها ضرورة إرساء الماعت-العدل في حكمه، كما تطلعُنا على علاقته بأمِّه، المرأة القوية المتسلطة التي تدير مؤسسة الحريم باقتدار فلا تنحرف واحدة من المحظيات لحظةً واحدةً خارج مدارها.
وفي سيناء حيث أرسله أبوه ليخشوشن ينجو خوفو بمعجزة من فخِّ بعض القبائل المناوئة، ورغم غضب الملك سنفرو من خوفو بسبب تجاوزه عمَّه قائد الجيش وتحركه من تلقاء نفسه، للقضاء على الخونة في معقلهم، إلا أن خوفو أصبح أسطورة في الحكايات الشعبية، أسطورة حيَّة يتناقل الناس حكاياتها، وها هي الفرصة تأتي إليه على طبق من ذهب ليصبح الملك الخالد بعد رحيل أبيه وصعوده إلى السماء واندماجه بالإله العظيم “رع”، فيفكِّرُ في بناء صرح عظيم، هو الهرم الأكبر، ليتجاوز في نظام معماره وفي ارتباطه بحركة النجوم وفي ضخامته أيَّ بناء مصري عظيم آخر بما فيها هرم أبيه سنفرو..
تقرِّبُنا الرواية بحرفيةٍ كبيرةٍ وبقدرةٍ فذَّةٍ على التصوير من الصراع النفسي الذي يدور داخل أحمس، وهو يتعرض لخيانات متعددة، أولها من أخته التي صارت زوجته، وثانيها من كاهن معبد “رع” وثالثها من إحدى المحظيات فائقات الجمال، لكن خوفو كان حذراً، ينام مفتوح العينين، يرى الأشباح، ويسمع الهمس البعيد، وكما كان رجلاً حنوناً رومانسياً يُغدِقُ مشاعره بلا حساب، كما ظهر في علاقته بالفتاة الفلاحة التي ستصبحً أمَّ ابنه خفرع، إلا أنه كان رجلاً قاسياً شديد البطش، يعرف أن للخلود ثمنه، فلم يتورع عن إخراس المناوئين، حتى لو كانوا يتستَّرون خلف الآلهة.
في هذه الرواية سترى بصدقٍ الواقع المصري القديم في أجمل صوره، فيه النبلاء أصحاب الدم الملكي الأزرق وفيه العامة، فيه الأساطير وفيه السحر.. وهكذا تكتسب تلك الرواية مذاقها الفريد من الثنائيات، الواقعية المفرطة والخيال الكبير، البطش واللين، العادي والساحر، النور والظلمات، الإنسان والآلهة، الحب والكراهية، الحنان والقسوة، وكذلك الرغبة في امتلاك الدنيا والعالم الآخر.
وسوف يقام الأسبوع القادم حفل توقيع ومناقشة رواية “خوفو وذات العيون الذهبية” للدكتور زاهي حواس والكاتبة الفرنسية فيرونيك فيرنوي