يحتفظ الفلسطينيون الذين نزحوا بسبب الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة بمفاتيح منازلهم المهدمة أو المنهارة ويعتبرونها رمزاً لخسارتهم.
ويُعتبر هذا السلوك تقليداً يضرب بجذوره في التاريخ ويعود للتهجير الجماعي للفلسطينيين في 1948.
ومعظم سكان غزة لاجئون أو من نسل لاجئين فروا أو طردوا من منازلهم أثناء حرب 1948 التي صاحبت إقامة دولة إسرائيل، أو ما يسميه الفلسطينيون بالنكبة.
وتنتقل مفاتيح المنازل التي فقدت في 1948 من جيل إلى جيل في بعض الأسر اللاجئة، في رمز لما يعتبرونه حقهم في العودة والذي يمثل أحد أهم القضايا الشائكة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
والآن تكتسب مفاتيح المنازل التي تعرضت للقصف في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس منذ أكتوبر/تشرين الأول معنى رمزياً.
قال حاتم الفراني، الذي لجأ إلى خيمة في رفح بجنوب غزة مع عائلته: “التاريخ بيعيد نفسه. جدي حمل المفتاح وبده يرجع تاني، أنا اليوم حملت المفتاح (على أمل) إني أرجع لشقتي أنها تكون تمام لكن يعوض الله علينا”.
وأثناء الهدنة التي استمرت أسبوعا في نوفمبر/تشرين الثاني، تلقى الفراني صورا لمنزل أسرته وهو شقة في مبنى سكني كان يقطن فيه مع والديه وأشقائه في مخيم جباليا في شمال غزة. وأظهرت الصور أن المبنى تعرض للتدمير.
وتابع الفراني: “اليوم أنا عمري 44 سنة.. بدي أبدأ حياتي من جديد وأبني بيت جديد”.
وبدأت الحرب عندما هاجم مسلحون من حماس التي تدير قطاع غزة منذ 2007 جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وتقول إسرائيل إن هذا الهجوم أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز 253 رهينة.
ومتعهدة بالقضاء على حماس، ردت إسرائيل على هذا بهجوم بري وجوي على غزة أودى بحياة ما يربو على 30 ألف شخص وفقا لوزارة الصحة في القطاع.
وسوى الهجوم الكثير من أنحاء القطاع بالأرض وتسبب في تشريد الغالبية العظمى من سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، فضلا عن انتشار الجوع والمرض على نطاق واسع.
رمز لحلم
يواجه حسين أبو عمشة نفس الوضع الذي وجد فيه الفراني نفسه. ويقيم هو وعائلته في خيمة في رفح. وأثناء الهدنة تلقى تسجيلا مصورا يظهر فيه منزله في بيت حانون في شمال شرق غزة وقد تعرض للقصف.
ووقف وهو يمسك في يده مفتاحا معلقا في حلقة مفاتيح مصنوعة من عملة كُتب عليها “فلسطين” يقول إنها ترجع إلى فترة الانتداب البريطاني قبل إقامة إسرائيل.
وقال: “المفتاح يعني لنا كلنا الوطن والواحد بدون وطن ما بيعيش ولا له مأوى تاني خلفه، وبنتمنى لو نعود تاني ولو خيمة فوق البيت مكان وطننا هناك”.
ويسترجع محمد المجدلاوي، الذي نزح من منزله في مخيم الشاطئ في شمال غزة، ذكريات جده وهو يريه مفتاحا قديما ويقص ذكرياته عام 1948. والآن وجد نفسه يخوض تجربة مماثلة.
وقال: “إيش عملت لإسرائيل لما أنت دمرت بيتي؟ لما ولاد العالم كلها تعيش في رفاه يعني وولادنا يعيشوا بذل ويقعدوا ويموتوا ويمرضوا بهالسقعة؟”.
وفي الضفة الغربية، حيث تنتشر مخيمات لاجئين تعود إلى عام 1948، يمكن مشاهدة مفاتيح عملاقة في أماكن متفرقة، وهي جزء من التجسيد الأيقوني للنزوح الذي يفهم الجميع هناك معناه.
وقال محمد سعيد مدير المكتب الإعلامي للجنة تدير مخيم قلنديا للاجئين بين القدس ورام الله: “المفتاح يرمز إلى حق العودة، يرمز إلى تمسك اللاجئين بحق العودة إلى بيوتهم التي هجروا منها في سنة 1948. المفتاح الحقيقة له دلالات كثيرة، القضية ليست قضية مفتاح، المفتاح مادة معدنية تصنعها في أي مكان، لكن بمجرد أن تتمسك بهذا المفتاح يعني أن لديك حلما تسعى لتحقيقه”.