المفاعل النووي المصري… بوتين يشارك في تدشين «الوحدة الرابعة» بـ«الضبعة»
تتجه مصر نحو خطوة تنفيذية جديدة على صعيد إنشاء محطتها النووية الأولى بمدينة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث تتأهب البلاد لاستقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في تدشين المفاعل الرابع بالمحطة، وهي الزيارة التي قال خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، إنها تحمل دلالات عدة، من بينها «التأكيد على إنهاء عزلة موسكو»، و«الدفع نحو دور أكبر لها في المنطقة».
ومن المقرر أن يشارك الرئيس الروسي في فعالية متعلقة بصب خرسانة المفاعل النووي الرابع في محطة الضبعة، بحسب المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) دميتري بيسكوف، الذي قال، رداً على سؤال أحد الصحافيين، الجمعة: «نعم، يتم الإعداد بالفعل لذلك، وهذا الحفل مهم للغاية».
وأشار المتحدث باسم الكرملين، بحسب ما نقلته قناة «آر تي عربية» الروسية، إلى «استمرار التعاون مع الشركاء المصريين في مجموعة متنوعة من المجالات»، وعدّ القاهرة «شريكاً مهماً للغاية». ولفت بيسكوف إلى «إمكانيات بلاده في الصناعة النووية على المستوى العالمي»، وقال إن بلاده «تقدم خدمات أفضل وأرخص وذات جودة أعلى، من الصعب للغاية منافستها».
وتعاقدت مصر مع شركة «روسآتوم» الحكومية الروسية عام 2015 لإنشاء محطة نووية بمدينة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تضم أربعة مفاعلات من الجيل «+3» العاملة بالماء المضغوط، بقدرة إجمالية 4800 ميغاواط بواقع 1200 ميغاواط لكل منها، وبتكلفة تصل إلى 30 مليار دولار، 85 في المائة منها ما يتم تمويله عبر قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار.
وتعد عملية صب البلاطة الخرسانية التي ستستخدم كأساس للوحدة الرابعة من المحطة النووية، للطاقة النووية، نهاية لمرحلة التحضير وانتقالاً لبدء المرحلة الأساسية من المشروع.
سفير القاهرة السابق لدى موسكو ومدير المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير عزت سعد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة بوتين للقاهرة تحمل رموزاً ودلالات عدة، من بينها التأكيد على خصوصية العلاقات بين مصر وروسيا، وعلى مكانة التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، متمثلاً في مشروع الضبعة». وأضاف أن «الزيارة دليل على تعاون استراتيجي مهم ومستدام بين البلدين، ويجب عدم النظر إليها باعتبارها عادية».
واتفقت معه أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتورة نورهان الشيخ، وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «زيارة بوتين تدل على متانة التعاون الاستراتيجي بين مصر وروسيا، والذي لم يتوقف على مدى العامين الماضين، وكان يسير وفقاً لجداول زمنية محددة سلفاً».
وشهدت الفترة الأخيرة إعلان شركة «روسآتوم» الروسية عن افتتاح فرع لها في القاهرة. وقال المدير الإقليمي لمكتبها في مصر، مراد أصلانوف: «أطلقت الشركة مبادرة مشروع واسع النطاق لتوحيد البنية التحتية لمشاريعها في الخارج، حيث تم دمج جميع مكاتبها الخارجية في مصر». وتعد محطة الضبعة المشروع «الأكبر» للشركة في أفريقيا.
ومحطة الضبعة هي أول منشأة نووية في مصر، وتقع في محافظة مطروح على سواحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد نحو 300 كيلومتر شمال غربي القاهرة. ويشمل اتفاق إنشائها قيام روسيا بتوفير خدمات الدعم الفني والصيانة والتكوين لمدة 10 سنوات.
زيارة بوتين لن تقتصر على بحث أوجه التعاون الثنائي مع مصر في مجالات السياسة والطاقة النووية، بل لها أهداف أخرى، لخصها الدبلوماسي المصري بـ«المتعلقة بمكانة روسيا في الاستراتيجية العالمية». وأوضح عزت أن «زيارة بوتين المرتقبة للقاهرة تأتي قبيل إتمام العام الثاني من الحرب على أوكرانيا، ما يعني أن أي حديث عن عزلة موسكو لا بد من التحفظ عليه بشدة، لا سيما بعد زيارة بوتين الأخيرة لكل من الإمارات والسعودية».
وهنا أكدت أستاذة العلوم السياسية أنه «لم يعد هناك عزلة لروسيا، حيث كسرتها موسكو بعد زيارة بوتين لكل من السعودية والإمارات، وستؤكد ذلك بزيارة القاهرة»، ما يعني أن «الرئيس الروسي يتحرك وفق أجندات وتوافقات مع الدول الصديقة، ولا يوجد تأثير للعقوبات ولا حتى لقرار المحكمة الجنائية الدولية».
ومنذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، سعت الـولايات المتحدة وأوروبا لعزل بوتين. في المقابل سعى الرئيس الروسي لكسر العزلة وزار السعودية والإمارات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
دلالة أخرى لزيارة بوتين للقاهرة أشارت إليها أستاذة العلوم السياسية تتعلق بـ«تأكيد اهتمام موسكو بمنطقة الشرق الأوسط». ولفتت الشيخ إلى «زيارة وفد من حركة (حماس) لموسكو، وتدخل روسيا لتهدئة التوتر بين إيران وباكستان». وقالت: «موسكو آخذة في تعظيم دورها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وحرب غزة أحد الملفات المهمة التي ستكون على جدول مباحثات السيسي وبوتين، لا سيما مستقبل القطاع بعد وقف العمليات العسكرية، إضافة إلى توابع الحرب من توتر في منطقة البحر الأحمر».
أضافت الشيخ أن «موسكو مهتمة بالبحر الأحمر، ولديها نقطة تمركز في منطقة فلامنغو بالسودان كانت تأمل تحويلها إلى قاعدة عسكرية، لذلك يعنيها ما تقوم به القوات الأميركية والبريطانية في هذا الممر المائي، وتدرك أن تلك العمليات العسكرية لا تستهدف جماعة (الحوثي) فحسب بقدر ما تستهدف روسيا والصين، حيث يعد البحر الأحمر جزءاً أساسياً من مبادرة الحزام والطريق».