محمد عاكف آرصوي .. مؤلف النشيد الوطني لتركيا الذى عاش في مصر 11 عام بدعوة من الأمير عباس حليم باشا وعشق هدوء حلوان
الشاعر محمد عاكف آرصوي هو الشاعر الذي خطَّ نشيد الاستقلال الوطني الذي يغنيه الأتراك إلى يومنا هذا ، ويطلق علي ارصوي اسم شاعر الاستقلال التركي أو شاعر الإسلام كما يحب تسميته عدد من الأدباء العرب.
وأما علاقته بمصر فقد اتخذت مكانة عظيمة في وجدان وقلب الشاعر الكبير ، فقد احتضنت مصر الشاعر التركي محمد عاكف آرصوي علي مدار 11 عاماً فهو الذي يمثل رمز للشعب التركي وهو مؤلف النشيد الوطني لتركيا
ولا يزال الشاعر أرصوي رغم وفاته عام 1923 رمزا فكريا وأدبيا حيا في العالم الإسلامي، الذي تنقل فيه بين تركيا العثمانية والجمهورية والبلقان وسوريا ومصر، التي عاش فيها قرابة 11 سنة، بالإضافة إلى لبنان والجزيرة العربية.
في ضيافة مصر وصديقه الأمير عباس حليم باشا
بسبب الخلاف الفكري الذي وقع عام 1925 بين “أرصوي” المنحاز للاتجاه الإسلامي ومآثر الدولة العثمانية، و”مصطفى كمال أتاتورك” وحكومته العلمانية؛ قرَّر “أرصوي” السفر إلى مصر بدعوة من صديقه الأمير عباس حليم ومن ثم البقاء في منفاه الاختياري لقرابة 11 عام، ظل فيها تحت رعاية صديقه عباس حليم.
وتوطدت صلته فيها بالأديب المصري عبد الوهاب عزام الذي مهد له الطريق إلى تدريس اللغة التركية في جامعة فؤاد: «جامعة القاهرة» فيما بعد، وهيأ له الصلة بمثقفي مصر.
ومما قاله الشاعر أنه أحب مصر جداً ، : ” فهناك جوانب جميلة بمصر خصوصاً في فصل الشتاء، وكذلك في فصل الصيف.. لم أكن أتضايق من الطقس الحار… والبيوت بنيت على طراز يتناسب مع الطقس هناك فلا تتعدى الحرارة داخل الغرف في أشد الأيام حرارة ثمانياً وعشرين أو ثلاثين درجة” .
وكان يسكن في مدينة حلوان بمصر وقال عن ذلك : أن هناك مدينة اسمها حلوان تقع على بعد خمسة وعشرين كيلاً من القاهرة، وهي مدينة هادئة كنت أقطنها، فأنا بطبعي إنسان هادئ لا أحب الضجيج، وكذلك في إسطنبول كنت على الحال نفسها من قبل، ففضلت العيش في مدينة حلوان لغاية ما كلفت بمهمة في دار الفنون، وفي الأيام الأخيرة حللت بالقاهرة “.
رحلة الفكر والأدب من تركيا إلي مصر
ولد محمد عاكف في إسطنبول عام 1873، لأب قدم من قرية في غرب كوسوفو للدراسة، وراح اسمه يصعد بقوة في الساحتين الأدبية والأكاديمية، لا سيّما بعد انضمامه في 1908 إلى جامعة إسطنبول أستاذاً للأدب العثماني، ومشاركته في إصدار مجلة “صراط مستقيم”، التي نشر فيها معظم قصائد ديوانه الأول “صفحات” الصادر عام 1911.
أبدى الشاب عاكف اهتماما بمؤلفات الشيخ محمد عبده، الذي ترجم له “الإسلام بين العلم والمدنية” (1901)، ردا على وزير الخارجية الفرنسي آنذاك غابرييل هانوتو، الذي أعاد أسباب تأخر المسلمين إلى الإسلام نفسه، كما ترجم إلى التركية كتاب “اعتناق الإسلام”.
شغف في صدر شبابه بالشاعر الفارسي سعدي الشيرازي وترجم أكثر شعره إلى التركية، وأعجب بالشاعر المصري ابن الفارض.
كان قد تأثر كثيراً بالأستاذ جمال الدين الأفغاني ودعوته لنبذ الاستبداد ونيل الحريات ولو بالقوة، وكان يردد آراءه وآراء تلميذه الأستاذ محمد عبده، وترجم كثيراً من تلك الآراء إلى اللغة التركية، وأفراد لمقالات الأستاذ محمد فريد وجدي حيزاً كبيراً من جريدته، وترجم كتاب الأستاذ فريد «المرأة المسلمة».
ترجمة معاني القرآن
ومن أعماله ترجمة معاني القرآن إلى التركية، صنع ذلك في مصر أيام منفاه فيها، لكنه – على حذره في الترجمة واهتمامه بها – لم يرض عن عمله هذا فطواه ولم ينشره حتى ذهب أدراج الرياح
وفاة محمد عاكف آرصوي في عقار حليم باشا في شارع الاستقلال
ومن المفارقات أن يتوفي الشاعر محمد عاكف أرصوي عند عودته إلي تركيا في منزل بناه الأمير عباس حليم باشا في شارع الاستقلال، ففي منطقة باي أوغلو في حي غلطة سراي الشهير في قلب إسطنبول الأوروبية يقع شارع الاستقلال الأشهر، الذي سُمي قبل الجمهورية بالشارع الكبير، وهو أشهر المزارات السياحية في المدينة، إذ يحوي بين جنباته بنايات تاريخية عديدة، منها عقار مثير للاهتمام يقع إلى القرب من كنيسة سان أنطون الكاثوليكية الشهيرة، ويُعرف باسم “عقار مصر” (Mısır Apartmani).
ومع وفاة صديقه عباس حليم عام 1934م، استشعر أرصوي تفاقم مشكلاته النفسية ثم المادية، ومع مرضه الذي بدأ ينتشر في جسده آثر العودة إلى إسطنبول في شهر يونيو/حزيران 1936م، وكان قدره أن ينتقل من مصر إلى قطعة أخرى منها في إسطنبول هي “عقار مصر”، إذ مكث هناك في الأشهر الستة الأخيرة من عُمره في الطابق الثاني من البناء، حتى لقي ربَّه في ديسمبر/كانون الثاني من العام نفسه عن عُمر ناهز الثالثة والستين.
وعقار مصر الذي أنشأه الأمير عباس حليم فهو الأمير المصري من سلالة محمد علي باشا لقضاء أوقات هانئة مع أسرته في إسطنبول العثمانية. وقد تنقلت به الأحوال حتى سكنه “محمد عاكف أرصوي” أشهر شاعر وأديب في تاريخ تركيا الحديث الذي كتب نشيدها الوطني.
وتقيم سفارة تركيا بمصر والمعهد الثقافي التركي ” معهد يونس إمره للثقافة التركية بالقاهرة ” سنوياً احتفالاً بذكري الشاعر الكبير محمد ارصوي.
كلمات النشيد الوطني التركي باللغة العربية
لا تخف، لن تطفأ الرايات في كبد السماء
ولسوف تبقى شعلة حمراء من غير انطفاء
إنها كوكب شعبي، سوف يبقى في العلاء
وهي ملكي، ملك شعبي لا جدال أو مراء
لا تقطب حاجبا، أرجوك، يا أحلى هلال
نحن أبطال تبسم، فلم القسوة؟ ما هذا الجلال؟
ابتسم دعنا نرى أحرام ما بذلنا من دماء أم حلال؟
الحق تعبد أمتي، والحق حق أمتي أن تستقل لا جدال!
قد عشت حرا منذ كان الكون، حرا لا أزال
عجبا، لمعتوه يصدق أن تقيدني سلاسل أو حبال
أنا مثل سيل هادر دفع السدود إلى نهايات الزوال
دوما أفيض، فأملأ الارجاء، أقتحم الجبال
قد سلحوا سور الحديد يحيط بالغرب الجحود
و يفيض بالايمان صدري فهو من خير الحدود
لن يخنقوا الايمان دعهم ليس ترهبنا الرعود
هذي «الحضارة» بعبع متكسر الأسنان صنو للجمود
يا صديقي! لا تجعل الأشرار يقتربون واحذر!
ولتجعل الاجساد درعا واجعل العدوان يقهر
فستشرق الايام، وعد الله، وعد لا يؤخر
فمن يدري يكون غدا؟ أم يا ترى سيكون أبكر؟
فتمهل حين تمضي وتأمل، هل ظننت الأرض رملا؟
تحتها ألف شهيد وشهيد نائم والأرض حبلى
لا تؤذهم يا ابن الشهيد كفاك منقصة وذلا
لا تمنح الوطن الجميل ولو منحوك هذا الكون سهلا
هذه الاوطان جنة، أليس تفديها الدماء؟
لو لمست الأرض لمسا لاستفاضت شهداء
لا أبالي لو فقدت الروح والاموال لا أخشى الفناء
كل ما أخشى ابتعادى عن بلادي أو فراق أو جفاء